وعلى كلّ حال ، لم تبق لنا ثقة بالإجماع فيما بعد عصر الإمام في استفادة قول الإمام على سبيل القطع واليقين.
الإجماع المنقول
إنّ الإجماع ـ في الاصطلاح ـ ينقسم إلى قسمين :
١. الإجماع المحصّل : والمقصود به الإجماع الذي يحصّله الفقيه بنفسه بتتبّع أقوال أهل الفتوى. وهو الذي تقدّم البحث عنه.
٢. الإجماع المنقول : والمقصود به الإجماع الذي لم يحصّله الفقيه بنفسه ، وإنّما ينقله له من حصّله من الفقهاء ، سواء كان النقل له بواسطة ، أم بوسائط.
ثمّ النقل تارة يقع على نحو التواتر ؛ وهذا حكمه حكم المحصّل من جهة الحجّيّة.
وأخرى يقع على نحو خبر الواحد. وإذا أطلق قول «الإجماع المنقول» في لسان الأصوليين فالمراد منه هذا الأخير.
وقد وقع الخلاف بينهم في حجّيّته على أقوال.
ولكنّ الذي يظهر أنّهم متّفقون على حجّيّة نقل الإجماع الدخوليّ ، وهو الإجماع الذي يعلم فيه من حال الناقل أنّه تتّبع فتاوى من نقل اتّفاقهم حتى المعصوم ، فيدخل المعصوم في جملة المجمعين. وينبغي أن يتّفقوا على ذلك ؛ لأنّه لا يشترط في حجّيّة خبر الواحد معرفة المعصوم تفصيلا حين سماع الناقل منه ، وهذا الناقل ـ حسب الفرض ـ قد نقل عن المعصوم بلا واسطة وإن لم يعرفه بالتفصيل. غير أنّ الإجماع الدخوليّ ممّا يعلم عدم وقوع نقله ، لا سيّما في العصور المتأخّرة عن عصر الأئمّة ، بل لم يعهد من الناقلين للإجماع من ينقله على هذا الوجه ويدّعي ذلك.
وعليه ، فموضع الخلاف منحصر في حجّيّة الإجماع المنقول ، غير الإجماع الدخوليّ ، وهو ـ كما قلنا ـ على أقوال :
١. إنّه حجّة مطلقا ؛ لأنّه خبر واحد. (١)
__________________
(١) هذا يظهر من الفصول الغرويّة : ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ، ومعالم الدين : ١٩٩.