الباب الرابع
الدليل العقليّ
قد مضى في الجزء الثاني البحث مستوفى عن الملازمات العقليّة ، لتشخيص صغريات حجيّة [حكم] العقل (١) ـ أي لتعيين القضايا العقليّة التي يتوصّل بها إلى الحكم الشرعيّ ـ وبيان ما هو الدليل العقليّ الذي يكون حجّة.
وقد حصرناها هناك في قسمين رئيسين :
الأوّل : حكم العقل بالحسن والقبح ، وهو قسم المستقلاّت العقليّة.
والثاني : حكمه بالملازمة بين حكم الشرع وحكم آخر ، وهو قسم غير المستقلاّت العقليّة.
ووعدنا هناك ببيان وجه حجّيّة الدليل العقليّ ، والآن قد حلّ الوفاء بالوعد ، ولكن قبل بيان وجه الحجّيّة لا بدّ من الكرّة (٢) بأسلوب جديد إلى البحث عن تلك القضايا العقليّة ؛ لغرض بيان الآراء فيها ، وبيان وجه حصرها ، وتعيينها فيما ذكرناه ، فنقول :
إنّ علماءنا الأصوليّين من المتقدّمين حصروا الأدلّة على الأحكام الشرعيّة في الأربعة المعروفة التي رابعها «الدليل العقلي» ، (٣) بينما أنّ بعض علماء أهل السنّة أضافوا إلى الأربعة المذكورة ؛ القياس ، ونحوه على اختلاف آرائهم (٤). ومن هنا نعرف أنّ المراد من الدليل
__________________
(١) كحكم العقل بالإجزاء ، وحكمه بتقديم الأهم ، وغيرهما.
(٢) الكرّة أي : الحملة. والمقصود هنا الرجوع إلى البحث.
(٣) فالأدلّة عندهم هي : ١ ـ الكتاب. ٢ ـ السنّة. ٣ ـ الاجماع. ٤ ـ دليل العقل. راجع مناهج الأحكام (للنراقيّ) : ٣ ؛ ضوابط الأصول : ٨ ؛ قوانين الأصول ١ : ٩.
(٤) راجع شرح العضديّ ٢ : ٤٥٣ ـ ٤٥٤ ؛ الإحكام (للآمديّ) ١ : ٢٢٦ ـ ٢٢٧ ؛ منتهى الوصول والأمل : ٤٥ ، اللمع في أصول الفقه : ٦ ـ ٧.