قال الشيخ صاحب «الكفاية» في ردّه : «والظاهر أنّ سيرتهم على اتّباعها [أي : الظواهر] من غير تقييد بإفادتها الظنّ فعلا ، ولا بعدم الظنّ كذلك على خلافها قطعا ؛ ضرورة أنّه لا مجال للاعتذار من مخالفتها بعدم إفادتها الظنّ بالوفاق ، ولا بوجود الظنّ بالخلاف». (١)
أقول : إن كان منشأ الظنّ بالخلاف أمرا يصحّ في نظر العقلاء الاعتماد عليه في التفهيم فإنّه لا ينبغي الشكّ في أنّ مثل هذا الظنّ يضرّ في حجّيّة الظهور ، بل ـ على التحقيق ـ لا يبقى معه ظهور للكلام حتى يكون موضعا لبناء العقلاء ؛ لأنّ الظهور يكون حينئذ على طبق ذلك الأمر المعتمد عليه في التفهيم ، حتى لو فرض أنّ ذلك الأمر ليس بأمارة معتبرة عند الشارع ؛ لأنّ الملاك في ذلك بناء العقلاء.
وأمّا : إذا كان منشأ الظنّ ليس ممّا يصحّ الاعتماد عليه في التفهيم عند العقلاء فلا قيمة لهذا الظنّ من ناحية بناء العقلاء على اتّباع الظاهر ؛ لأنّ الظهور قائم في خلافه ، ولا ينبغي الشكّ في عدم تأثير مثله في تبانيهم على حجّيّة الظهور. والظاهر أنّ مراد الشيخ صاحب «الكفاية» من «الظنّ بالخلاف» هذا القسم الثاني فقط ، لا ما يعمّ القسم الأوّل.
ولعلّ مراد القائل باعتبار عدم الظنّ بالخلاف هو القسم الأوّل فقط ، لا ما يعمّ القسم الثاني ، فيقع التصالح بين الطرفين.
ج. أصالة عدم القرينة
ذهب الشيخ الأعظم في رسائله إلى أنّ الأصول الوجوديّة ـ مثل أصالة الحقيقة ، وأصالة العموم ، وأصالة الإطلاق ، ونحوها التي هي كلّها أنواع لأصالة الظهور ـ ترجع كلّها إلى أصالة عدم القرينة ، (٢) بمعنى أنّ أصالة الحقيقة ترجع إلى أصالة عدم قرينة المجاز ، وأصالة العموم إلى أصالة عدم المخصّص ... وهكذا.
والظاهر أنّ غرضه من الرجوع أنّ حجّيّة أصالة الظهور إنّما هي من جهة بناء العقلاء على حجّيّة أصالة عدم القرينة.
__________________
(١) كفاية الأصول : ٣٢٤.
(٢) فرائد الأصول ١ : ٦٨.