بسم الله الرّحمن الرّحيم
تمهيد :
لا شكّ في أنّ كلّ متشرّع يعلم علما إجماليّا بأنّ لله (تعالى) أحكاما إلزاميّة ـ من نحو الوجوب والحرمة ـ يجب على المكلّفين امتثالها ، يشترك فيها العالم والجاهل بها.
وهذا «العلم الإجماليّ» منجّز لتلك التكاليف الإلزاميّة الواقعيّة ، (١) فيجب على المكلّف ـ بمقتضى حكم العقل بوجوب تفريغ الذمّة ممّا علم اشتغالها به من تلك التكاليف ـ أن يسعى إلى تحصيل المعرفة بها بالطرق المؤمّنة له التي يعلم بفراغ ذمّته باتّباعها.
ومن أجل هذا نذهب إلى القول بوجوب المعرفة ، وبوجوب الفحص عن الأدلّة ، والحجج المثبتة لتلك الأحكام ، حتى يستفرغ المكلّف وسعه في البحث ، ويستنفد مجهوده الممكن له (٢). وحينئذ ، إذا فحص المكلّف وتمّت له إقامة الحجّة على جميع الموارد
__________________
(١) بالنسبة إلى المكلّف.
(٢) لو فرض أنّ مكلّفا لا يسعه فحص أدلّة الأحكام لسبب ما ـ ولو من جهة لزوم العسر والحرج ـ فإنّه يجوز له أن يقلّد من يطمئنّ إليه من المجتهدين الذي تمّ له فحص الأدلّة وتحصيل الحجّة ، وذلك بمقتضى أدلّة جواز التقليد ، ورجوع الجاهل إلى العالم ، كما يجوز له أن يعمل بالاحتياط في جميع الموارد المحتملة للتكليف ، والتي يمكن فيها الاحتياط على النحو الذي يأتي بيانه في موقعه ، ومن هنا قسّموا المكلّف إلى : مجتهد ، ومقلّد ، ومحتاط.
ونحن غرضنا من هذا المقصد إنّما هو البحث عن وظيفة المجتهد فقط. وهو المناسب لعلم الأصول. * ـ منه قدسسره ـ.
__________________
* أقول : البحث عن الأصول العمليّة بحث عن وظيفة المكلّف في مقام العمل ، وفي عدّها من المسائل الأصوليّة نظر ، بل هي من القواعد الفقهيّة ، والتحقيق في محلّه.