(٩) إن السماء ـ العالم العلوي بالنسبة إلى أهل الأرض ـ قد سوّيت أجرامها من مادتها الدخانية فى يومين آخرين أي زمنين شبيهين بالزمنين اللذين خلق فيهما جرم الأرض.
وما استنبط من هذه الآيات يوافق ما أقره علماء الفلك فى العصر الحديث ، فقد قالوا : إن المادة التي خلقت منها الأجرام السماوية وخلقت منها الأرض كانت سديما ، وكانت واحدة رتقا ثم انفصل بعضها من بعض ، وكانت مؤلفة من أجزاء دقيقة متحركة تجمّع بعضها إلى بعض ، بمقتضى قانون الجاذبية فتكون منها كرة عظيمة تدور على محورها واشتعلت من شدة الحركة فكانت ضياء ونورا تصحبه حرارة شديدة ، وهذه الكرة العظيمة فى عالمنا هى التي نسميها بالشمس والكواكب الدراري التابعة لها فيما نرى ونشاهد ومنها أرضنا ، انفتقت من رتقها وانفصلت من جرمها وكانت مشتعلة مثلها وتدور على محاورها.
ثم إن الأرض تحولت من طور الغازية المشتعلة إلى طور المائية بنظام مقدر فى أزمنة طويلة ، إذ كان الأكسجين والإيدروجين وهما العنصران اللذان يتكون منهما الماء يرتفعان فى الجو لخفتهما فيبردان فيكونان نحارا فماء وما زال أمرها كذلك حتى غلب عليها طور المائية.
ثم تكونت اليابسة فى هذا الماء بسبب حركة أجزاء المادة وتجمع بعضها مع بعض بنسب ومقادير مختلفة ، ثم تولدت فيها المعادن على أنواع شتى ، وما زالت تبرد قشرتها الظاهرة وتجفّ شيئا فشيئا حتى صلحت لتوالد النبات والحيوان فوجدت فيها الأحياء النباتية ثم الحيوانية.
ولا شك أن هذه الأقوال إن صحت كانت بيانا لما أجمل فى الكتاب الكريم وإن لم تصح فالقرآن لا يناقض شيئا منها ، ولكنها أقرب النظريات إلى سنن الكون وصفة عناصره البسيطة وحركتها ، وتعتبر تفصيلا لخلق العالم أطوارا بسنن ثابتة وتقدير منظم.