ثم رد الله عليهم ما زعموه بقولهم : سيغفر لنا ، وهم مقيمون على ظلمهم وفسادهم وحبهم للدنيا فقال :
(أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ) أي وقد أخذ الله العهد والميثاق عليهم فى كتابه ألا يقولوا عليه غير الحق الذي بينه فيه ، فمنعهم من تحريفه وتغيير الشرائع لأجل أخذ الرشا ، وهم قد درسوا الكتاب وفهموا ما فيه فهم ذاكرون لما أخذ عليهم من تحريم أكل أموال الناس بالباطل والكذب على الله إلى نحو أولئك.
(وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) أي والدار الآخرة وما فيها من نعيم للذين يتقون المعاصي ما ظهر منها وما بطن ـ خير من حطام الدنيا الفاني الذي يؤخذ بالرّشا والسحت وغير ذلك ، أفلا تعقلون ذلك وهو واضح لا يخفى على كل ذى عقل لم تطمسه الشهوات ، ولم يعم بصيرته حطام الدنيا العاجل ، وبذا يرجّح الخير على التسر والنعيم المقيم على المتاع الزائل.
وفى هذا إيماء إلى أن الطمع فى متاع الدنيا هو الذي أفسد على بنى إسرائيل أمرهم ، واستحوذ عليهم حبّ العاجلة فأذهب عنهم رشدهم.
وفى هذا عبرة للمسلمين الذين سرى إليهم كثير من هذا الفساد وغلب عليهم الطمع وحب الدنيا وعرضها الزائل وهم قد درسوا كتابهم الكريم ، لكن التحلي بلقب الإسلام والتعلل بأمانى المغفرة مع الإصرار على الذنوب اتكالا على الشفاعات والمكفّرات ـ هو الذي غرّهم وجعلهم يتمادون فى غيّهم وكتابهم ينهاهم عن الأمانى والأوهام وكون الشفاعة لا تقع إلا بإذن الله لمن رضى عنه كما قال : «وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ».
(وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) أي والذين يستمسكون بأوامر الكتاب ويعتصمون بحبله فى جميع شئونهم ، ويقيمون