(فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) أي إن هذا الرجل كالكلب فى صفته هذه وهى أقبح حالاته وأخسها ، فهو لإخلاده وميله إلى الدنيا واتباعه هواه يكون كذلك فى أسوإ حال ، فهو فى همّ دائب وشغل شاغل فى جمع عرض الدنيا وزخرفها ، يعنى بخسيس أموره وجليلها كشأن عبّاد الأهواء وطلاب الأموال ترى المرء منهم كاللاهث من الإعياء والتعب وإن كان ما يعنى به حقيرا لا يتعب ولا يعيى ، وتراه كلما أصاب سعة وبسطة فى الدنيا زاد طمعا فيها كما قال الأول :
فما قضى أحد منها لبانته |
|
ولا انتهى أرب إلا إلى أرب |
(ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي ذلك المثل البالغ الحد فى الغرابة مثل هؤلاء القوم الذين جحدوا بآياتنا واستكبروا عنها جهلا بها وتقليدا للآباء والأجداد ، فهم قد ظنوا أن إيمانهم بها يسلبهم العزة ويحط من أقدارهم ويحول بينهم وبين ما يتمتعون به من اللذات ، فكان ذلك حجابا حائلا بينهم وبين النظر فيها نظر تبصر واستدلال ، وإن كانوا نظروا إليها من تلك الناحية التي تروق لهم وهى : حرمانهم من التمتع بالحظوظ والشهوات ، إلى ما فيها من الاعتراف بضلال السلف من الآباء والأجداد فما أشبه حالهم بحال من أوتى الآيات فانسلخ منها ، وذلك ليس بعيب فيها بل العيب عليه باتباعه هواه الذي حرمه من الانتفاع بها.
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد |
|
وينكر الفمّ طعم الماء من سقم |
(فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) أي فاقصص أيها الرسول الكريم قصص ذلك الرجل الذي تشبه حاله حال أولئك المكذبين بما جئت به من الآيات البينات رجاء أن يتفكروا فيه فيحملهم سوء حالهم وقبح مثلهم على إطالة التأمل والتفكر فى المخلص مما هم فيه ، والنظر فى الآيات بعين البصيرة لا بعين الهوى والعداوة.
وفى الآية إيماء إلى تعظيم ضرب شأن تلك الأمثال فى الإقناع وكونها أقوى أثرا