(وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) أي ومن يخذله ويحرمه التوفيق فيتبع شيطانه وهواه ويترك استعمال عقله وحواسه فى فقه آياته وشكر ما أنعم به عليه ، فهو الكفور الضال الذي خسر سعادة الدنيا وسعادة الآخرة ، إذ هو قد خسر تلك المواهب التي كان بها إنسانا مستعد للسعادتين الدنيوية والأخروية.
ولا شك أن الهداية الإلهية نوع واحد وهو الإيمان الذي ثمرته العمل الصالح أما أنواع الضلال فلا حصر لها ، يرشد إلى ذلك قوله تعالى فى سورة الأنعام : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ).
ثم فصل سبحانه ما أجمله فى الآية السالفة مع بيان سببه فقال :
(وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) أي نقسم إنا قد خلقنا فى العالم كثيرا من الجن والإنس لسكنى جهنم والمقام فيها ، وخلقنا للجنة مثل ذلك بمقتضى استعداد الفريقين كما قال : «فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ» وقال : «فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ».
ثم بين سبب كونهم معدّين لجهنم وصفاتهم المؤهلة لذلك فقال :
(لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها) أي إنهم لا يفقهون بقلوبهم ما تزكو به أنفسهم من توحيد الله المبعد لها عن الخرافات والأوهام وعن الذلة والصغار ، فإن من يعبد الله وحده تسمو نفسه بمعرفته فلا تذل بدعاء غيره ولا الخوف منه ولا الرجاء فيه والاتكال عليه ، بل يطلب من الله ما يحتاج إليه ، فإن كان مما أقدر الله عليه خلقه بإعلامهم بأسبابه وتمكينهم منها طلبه بسببه مع مراعاة سننه فى خلقه ، وإن لم يكن كذلك توجه إلى الله لهدايته إلى العلم بما لم يعلم من سببه وإقداره على ما يقدر عليه من وسائله أو تسخير من شاء من خلقه لمساعدته عليه كالأطباء لمداواة الأمراض ، وأقوياء الأبدان لرفع الأثقال ، والعلماء الراسخين للفتوى فى المسائل العلمية وحل إشكال ما غمض من حقيقتها ، ولا يتوجه فى طلبه إلى غير ما يعرف البشر من الأسباب المطّردة كالرّقى