كيدا لهم ومكرا بهم لا حبّا فيهم ونصرا لهم كما قال تعالى : «فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ ، أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ ، نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ» وروى الشيخان من حديث أبي موسى : «إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته»
وخلاصة ذلك ـ إن سنة الله قد مضت فى الأمم والأفراد بأن يكون عقابهم بمقتضى الأسباب التي قام بها نظام الخلق ، فالظالم إذا لم ينزل به العقاب عقب ظلمه ازداد بغيا وظلما ولا يحسب للعواقب حسابا فيسترسل فى ظلمه إلى أن تحيق به عاقبة ظلمه فى الدنيا يأخذ الحكام له أو بوقوعه فى المصايب والمهالك ، وله فى الآخرة عذاب النار وبئس القرار.
(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ؟) أي أكذبوا الرسول ولم يتفكروا فى حاله من بدء نشأته وفى حقيقة دعوته ، ودلائل رسالته ، وآيات وحدانية الله وقدرته على إعادة خلقه كما بدأهم؟
إنهم إن تفكروا فى ذلك مليا أو شكوا أن يعرفوا الحق ، وما الحق إلا أن صاحبهم ليس به جنة ، وقد حكى الكتاب الكريم عنهم أنهم رموه بالجنون كقوله فى كفار مكة : «أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ ، أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ، أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ» وقوله : «وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ، لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ» وقوله : «وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ» وروى ابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال : ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قام على الصفا فدعا قريشا فخذا فخذا : يا بنى فلان ، يا بنى فلان ، يحذرهم بأس الله ووقائع الله إلى الصباح حتى قال قائلهم : إن صاحبكم هذا لمجنون : بات يهوّت (يصيح) حتى أصبح. فأنزل الله : «أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا