وقد يكون المعنى : يسألونك عنها كأنك حفىّ بهم ، وبينك وبينهم مودة وكأنك صديق لهم ، ويؤيد هذا ما روى عن ابن عباس قال : لما سأل الناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة ـ سألوه سؤال قوم كأن محمدا حفىّ بهم ، فأوحى الله إليه ـ إنما علمها عنده استأثر به فلا يطلع عليه ملكا مقرّبا ولا رسولا. وما روى عن قتادة قال : قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم : إن بيننا وبينك قرابة ، فأشر إلينا متى الساعة؟ فقال الله عز وجل (يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها)».
(قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) هذا تكرار للجواب إثر تكرير السؤال مبالغة فى التأكيد ، وإيئاس لهم من العلم بوقت مجيئها وتخطئة لمن يسألون عنه.
وعبر هنا بلفظ الجلالة (اللهِ) إشارة إلى أنه استأثر بعلم هذا لذاته ، كما أشعر ما قبله بأنه من شئون ربوبيته ، وكلاهما مستحيل على خلقه.
(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أي لا يعلمون اختصاص علمها به تعالى ولا حكمة ذلك ولا أدب السؤال ولا نحو ذلك مما ينبغى أن يعلم فى هذا الباب ، وإنما يعلم ذلك القليلون ، وهم المؤمنون بما جاء فى كتاب الله من أخبارها وبما سمع من رسوله صلى الله عليه وسلم كمن حضروا تمثل جبريل عليه السلام بصورة رجل وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان ، ثم عن الساعة ، وإجابة النبي صلى الله عليه وسلم له عن سؤاله الأخير بقوله. «ما المسئول عنها بأعلم من السائل» أي إنا سواء فى جهل هذا الأمر فلا يعلم أحد منا متى تقوم الساعة.
قال الآلوسى : وإنما أخفى سبحانه أمر الساعة لاقتضاء الحكمة التشريعية ذلك ، فإنه أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية ، كما أن إخفاء الأجل الخاص للإنسان كذلك وظاهر الآيات أنه عليه السلام لم يعلم وقتها ، نعم علم عليه الصلاة والسلام قربها على الإجمال وأخبر به ؛ فقد أخرج الترمذي وصححه أنس مرفوعا «بعثت أنا والساعة كهاتين ،