وعند ذكر الحقوق الزوجية كقوله «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ» وفى أحكام الطلاق كقوله : «فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ» وقوله «فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ» ومن ذلك ترى أن هذا اللفظ (المعروف) لم يذكر إلا فى الأحكام الهامة ، وأن المراد به ما هو معهود بين الناس فى المعاملات والعادات ، ولا شك أنه يختلف باختلاف الشعوب والبلاد والأوقات ، ومن ثم قال بعض الأئمة : المعروف ما يستحسن فى العقل فعله ، ولا تنكره العقول الصحيحة ، ويكفى المسلمين المحافظة على النصوص الثابتة ، إذ لا يمكن المؤمن أن يستنكر ما جاء عن الله ورسوله ، وليكن للجماعة الإسلامية بعده رأى فيما يعرفون وينكرون ، ويستحسنون ويستهجنون ، ويكون عمدتهم فى ذلك جمهور العقلاء وأهل الفضل والأدب فى كل عصر.
(٣) الإعراض عن الجاهلين ، وهم السفهاء بترك معاشرتهم وعدم مماراتهم ، ولا علاج للوقاية من أذاهم إلا الإعراض عنهم ، وقد روى عن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال : ليس فى القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها ،وروى الطبري وغيره عن جابر «أنه لما نزلت هذه الآية سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عنها فقال : لا أعلم حتى أسأل ثم رجع فقال : إن ربك يأمرك أن تصل من قطعك ، وتعطى من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك» وأخذ بعض الشعراء هذا المعنى فقال :
خذ العفو وأمر بعرف كما |
|
أمرت وأعرض عن الجاهلين |
ولن فى الكلام لكل الأنام |
|
فمستحسن من ذوى الجاه لين |
وقال بعض العلماء : هذه الآية قد تضمنت قواعد الشريعة ، فلم يبق فيها حسنة إلا وعتها ، ولا فضيلة إلا شرحتها ؛ فقوله : خذ العفو إيماء إلى جانب اللين ونفى الحرج فى الأخذ والإعطاء وأمور التكليف ، وقوله : وأمر بالعرف تناول جميع المأمورات والمنهيات ، وأنهما ما عرف فى الشريعة حكمه ، واتفقت القلوب على علمه ، وقوله :