هذه الآيات الثلاث ، وهى اتقاء إفساد الشياطين : أي شياطين الجن المستترة ـ فالآية السالفة أمرت بالإعراض عن الجاهلين وهم السفهاء اتقاء لشرهم ـ وهذه الآيات أمرت بالاستعاذة بالله من الشياطين اتقاء لشرهم.
الإيضاح
(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي وإن يثر فيك الشيطان داعية الشر والفساد بسبب غضب أو شهوة ، فيجعلك تتأثر وتتحرك للعمل بها كما تتأثر الدابة إذا نخست بالمهماز فتسرع ـ فالجأ إلى الله وتوجه إليه بقلبك ليعيذك من شر هذا النزغ ، حتى لا يحملك على ما يزعجك من الشر وعبّر عن ذلك بلسانك فقل : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فإنه سميع لما تقول عليم بما تحدثك به نفسك ويجيش به صدرك ، فهو يصرف عنك تأثير نزغه بتزيين الشر ، وقد دلت التجربة على أن الالتجاء إلى الله تعالى وذكره بالقلب واللسان يصرف عن النفس وسوسة الشيطان كما قال تعالى : «فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ، إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» والخطاب فى الآية وما ماثلها من الآيات موجه إلى كل مكلف يبلغه ، وأولهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقيل إنه موجه إلى الرسول والمراد أمته ، وقد روى مسلم عن عائشة وابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن ـ قالوا وإياك يا رسول الله؟ قال : وإياى إلا أن الله أعاننى عليه فأسلم منه».
ثم بين سبحانه طريق سلامة من يستعذ من الشيطان من الوقوع فى المعصية فقال :
(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) أي إن خيار المؤمنين وهم الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ـ إذا ألمّ بهم طائف من الشيطان ليحملهم بوسوسته على المعصية أو إيقاع البغضاء بينهم ، تذكروا أن هذا من إغواء الشيطان عدوهم الذي أمر الله بالاستعاذة منه والالتجاء إليه