الإيضاح
(وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي وإذا قرئ القرآن عليكم أيها المؤمنون فأصغوا له أسماعكم ، لتتفهموا آياته وتعتبروا بمواعظه ، وأنصتوا له لتعقلوه وتتدبروه ولا تلغوا فيه فلا تعقلوه ، ليرحمكم ربّكم باتعاظكم بمواعظه ، واعتباركم بعبره ، واستعمالكم ما بينه لكم من فرائضه فى آيه ؛ فمن استمع وأنصت كان جديرا أن يفهم ويتدبر ، ومن كان كذلك كان حريّا أن يرحم.
والآية تدل على وجوب الاستماع والإنصات للقرآن إذا قرئ سواء أكان ذلك فى الصلاة أو فى خارجها وهو المروي عن الحسن البصري ، لكن الجمهور خصوه بقراءة الرسول صلى الله عليه وسلم فى عهده وبقراءة الصلاة والخطبة من بعده ، ذلك أن إيجاب الاستماع والإنصات فى غير الصلاة والخطبة فيه حرج عظيم ، إذ يقتضى أن يترك له المشتغل بالعلم علمه والمشتغل بالحكم حكمه وكل ذى عمل عمله.
أما قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فكان بعضها تبليغا للتنزيل وبعضها وعظا وإرشادا ، فلا يسع أحدا من المسلمين يسمعه يقرأ أن يعرض عن الاستماع أو يتكلم بما يشغله أو يشغل غيره عنه ، وهكذا شأن المصلى مع إمامه وخطيبه ، إذ هذا هو المقصود من الصلاة والواجب فيها.
وما يفعله جماهير الناس فى المحافل التي يقرأ فيها القرآن كالمآتم وغيرها من ترك الاستماع والاشتغال بالأحاديث المختلفة ـ فمكروه كراهة شديدة ولا سيما لمن كانوا على مقربة من التالي ، ولا يجوز لقارئ أن يقرأ على قوم لا يستمعون له ، وإن كان أكثرهم يستمع وينصت فشذ بعضهم بمناجاة صاحبه بالجنب بلا تهويش على القارئ ولا على المستمعين كانت المخالفة سهلة لا تقتضى ترك القراءة ولا تنافى الاستماع.
والواجب على كل مؤمن بالقرآن أن يحرص على استماعه عند قراءته كما يحرص على تلاوته وأن يتأدب فى مجلس التلاوة.