وقال يا نبى الله ، كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله تعالى : «إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ» فلما كان يومئذ والتقوا هزم الله المشركين فقتل منهم سبعون رجلا وأسر سبعون. وروى البخاري عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر «اللهم إنى أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم إن شئت لم تعبد» فأخذ أبو بكر بيده فقال حسبك ، فخرج وهو يقول : «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ».
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم بإعلام القرآن أن للنصر فى القتال أسباب حسية ومعنوية ، وأن لله سننا مطردة ، وهو مع ذلك يعلم أن لله توفيقا يمنحه من شاء من خلقه فينصر به الضعفاء على الأقوياء والفئة القليلة على الفئة الكثيرة بما لا ينقض به سننه ، وأن له فوق ذلك آيات يؤيد بها رسله ، فلما عرف من ضعف المؤمنين وقلتهم ما عرف استغاث الله تعالى ودعاه ليؤيدهم بالقوة المعنوية التي تكون أجدر بالنصر من القوة المادية ، وكان كل من علم بدعائه يتأسى به فى هذا الدعاء ويستغيث ربه كما استغاث.
الإيضاح
(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) أي اذكروا وقت استغاثتكم ربكم قائلين ربنا انصرنا على عدوك ، يا غياث المستغيثين أغثنا ، والأمر بهذا الذكر لبيان نعمة الله عليهم حين التجائهم إليه ، إذ ضاقت عليهم الحيل وطلبوا مخلصا من تلك الشدة فاستجاب دعاءهم كما قال :
(فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) أي فأجاب دعاءكم بأنى ممدكم بألف من الملائكة يردف بعضهم بعضا ويتبعه ، وهذا الألف هى وجوههم وأعيانهم ـ وبهذا يطابق ما جاء فى سورة آل عمران : «بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ ـ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ».