أذهبت هذه القوى بل هم شر منهم ، لأن هذه المشاعر خلقت لهم فأفسدوها على أنفسهم ، إذ لم يستعملوها فيما خلقت لأجله حين التكليف.
(وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) أي ولو علم الله فيهم استعدادا للإيمان والهداية بنور النبوة ولم يفسد قبس الفطرة سوء القدوة وفساد التربية ، لأسمعهم بتوفيقه الكتاب والحكمة سماع تدبر وتفهم ، ولكنه قد علم أنه لا خير فيهم فهم ممن ختم الله على قلوبهم وأحاطت بهم خطاياهم.
(وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) أي ولو أسمعهم ـ وقد علم أنه لا خير فيهم ـ لتولوا عن القبول والإذعان وهم معرضون من قبل ذلك بقلوبهم عن قبوله والعمل به كراهة وعناد للداعى إليه ولأهله فقد فقدوا الاستعداد لقبول الحق والخير فقدا تاما لا فقدا عارضا موقوتا.
والخلاصة ـ إن للسماع درجات باعتبار ما يطالب الله به من الاهتداء بكتابه :
(١) أن يتعمد من يتلى عليه ألا يسمعه مبارزة له بالعدوان بادئ ذى بدء خوفا من سلطانه على القلوب أن يغلبهم.
(٢) أن يستمع وهو لا ينوى أن يفهم ويتدبر كالمنافقين الذين قال الله فيهم : «وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً»
(٣) أن يستمع لأجل التماس شبهة للطعن والاعتراض ، كما كان يفعل المعاندون من المشركين وأهل الكتاب وقت التنزيل وفى كل حين إذا استمعوا إلى القرآن أو نظروا فيه.
(٤) أن يسمع ليفهم ويتدبر ثم يحكم له أو عليه ، وهذا هو المنصف ، وكم من السامعين أو القارئين آمن بعد أن نظر وتأمل ؛ فقد نظر طبيب فرنسى فى ترجمة القرآن فرأى أن كل النظريات الطبية التي فيه كالطهارة والاعتدال فى المآكل والمشارب وعدم