وكذلك هو أرجى شىء يرجوه المسرف إذا لم ييأس من روح الله ، فإنا لنشاهد أن كثيرا من الناس يسيرون على الهدى ويتقون الطرق التي تصل بهم إلى مهاوى الهلاك والردى فإذا بقلوبهم قد تقلبت بعواصف تميل بهم عن الصراط المستقيم كشبهة تزعزع الاعتقاد أو شهوة يغلب بها الغىّ الرشاد فيطيعون أهواءهم ويسيرون وراء وساوس الشيطان.
وفى ذلك إيماء إلى أن الطائع المجدّ لا يأمن مكر الله فيغتر بطاعته ويعجب بنفسه ، والعاصي المنصرف عن الطاعة لا ييأس من روح الله فيسترسل فى اتباع هواه ، حتى تحيط به خطاياه ومن لم يأمن عقاب الله ولا ييأس من روح الله كان جديرا بأن يراقب قلبه ، ويحاسب نفسه على خواطره ويعاقب نفسه على هفواته ، لتظل على الصراط المستقيم.
والخلاصة ـ إن من سننه تعالى فى البشر أن من يتبع هواه فى أعماله تضعف إرادته فى مقاومته فلا تؤثر فيه المواعظ القولية ولا العبر المبصرة ولا المعقولة.
روى البخاري وأصحاب السنن قال : كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم «لا ومقلّب القلوب».
(٢) أن نتذكر حشرنا إليه ومحاسبته إيانا على أعمالنا القلبية والبدنية ، ومجازاته إيانا بالعذاب أو النعيم ، فلا نألو جهدا فى انتهاز الفرصة لنعمل صالح الأعمال.
وبعد أن أمرنا سبحانه بتلك الأوامر ونهانا عن النواهي التي تخص أعمال الإنسان الاختيارية ، أمرنا أن نتقى الفتن الاجتماعية التي لا تخص الظالمين ، بل تتعداهم إلى غيرهم ، وتصل إلى الصالح والطالح فقال :
(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) الفتنة : البلاء والاختبار ، أي اتقوا وقوع الفتن التي لا تختص إصابتها بمن يباشرها وحده ، بل تعمه وغيره كالفتن القومية التي تقع بين الأمم فى التنازع على المصالح العامة من الملك والسيادة أو التفرق فى الدين والشريعة والانقسام إلى الأحزاب الدينية والأحزاب السياسية ، ونحو ذلك