من ظهور البدع والتكاسل فى الجهاد وإقرار المنكر الذي يقع بين أظهرهم والمداهنة فى الأمر بالمعروف ونحو ذلك من الذنوب التي جرت سنة الله بأن تعاقب عليها الأمم فى الدنيا قبل الآخرة.
أخرج ابن جرير من طريق الحسن قال : لقد خوّفنا بهذه الآية ، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ظننا أننا خصصنا بها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر فى الآية قال : نزلت فى علىّ وعثمان وطلحة والزبير ، وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال : علم والله ذوو الألباب من أصحاب محمد حين نزلت هذه الآية أن سيكون فتن. وروى عن ابن عباس قال : أمر الله المؤمنين ألا يقرّوا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله. بالعذاب. وقال عدىّ بن عميرة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ، وهم قادرون على أن ينكروه ، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة». وروى أحمد والبزار وابن مردويه عن مطرّف قال : قلنا للزبير يا أبا عبد الله ضيعتم الخليفة (عثمان) حتى قتل ثم جئتم تطلبون بدمه فقال : إنا قرأنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً» ولم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت فينا حيث وقعت.
وعلى الجملة ففتنة عثمان كانت أول الفتن التي اختلفت فيها الآراء ، فاختلفت أعمال أهل الحل والعقد ، وخلا الجو للمفسدين من زنادقة اليهود والمجوس وغيرهم ، ثم أعقبتها فتنة الجمل بصفّين ، ثم فتنة ابن الزبير مع بنى أمية ، ثم قتل الحسين بكربلاء ، إلى نحو ذلك من الفتن التي كان لها آثارها فى الإسلام ، ولو تداركوها كما تدارك أبو بكر رضي الله عنه أهل الردة لما كانت فتنة تبعتها فتن كثيرة أكبرها فتن الخلافة والملك وفتن الآراء والمذاهب الدينية والسياسية.
(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) أي إنه تعالى شديد عقابه للأمم والأفراد