(وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) أي ولقد جاء أهل تلك القرى رسلهم بالبينات الدالة على صدق دعوتهم وبالآيات التي اقترحوها عليهم لإقامة حجتهم ، فجاء كل رسوله قومه بما أعذر به إليهم ، ولكن لم يكن من شأنهم أن يؤمنوا بعد مجىء البينات بما كذبوا به من قبل مجيئها حين بدء الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله وحده بما شرعه وترك الشرك والمعاصي.
ذاك أن شأن المكذبين عنادا أو تقليدا أن يصروا على التكذيب بعد إقامة البينة ، إذ لا قيمة لها فى نظرهم ، فهم إما جاحدون معاندون ضلوا على علم ، وإما مقلدون يأبون النظر والفهم.
وفى معنى الآية قوله فى سورة يونس : «ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ».
(كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ) أي مثل ما ذكر من عناد هؤلاء وإصرارهم على الضلال وعدم تأثير الدلائل والبينات فى عقولهم يكون الطبع على قلوب من ران الكفر على قلوبهم وصار العناد ديدنهم سنة الله فى أخلاق البشر وأحوالهم ، إذ هم يأنسون بالكفر وأعماله وتستحوذ أوهامه على عقولهم ويملأ حب الشهوات أفئدتهم فلا يقبلون بحثا ولا فيما هم عليه نقدا ، فما مثلها إلا مثل السكة التي طبعت على طابع خاص أثناء صهر معدنها ، وإذابته ثم جمدت فلا تقبل بعد ذلك نقضا ولا شكلا آخر.
وفى الآية تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم وإعلام له بأن أهل مكة قد وصلوا إلى حال من الجمود والعناد وفساد الفطرة وإهمال النظر والعقل لا تؤثر فيها البينات وإن وضحت ، ولا الآيات وإن اقترحت.
وقد كانوا يقترحون عليه الآيات ، وكان يتمنى أن يؤتيه الله ما اقترحوا منها حرصا