مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) وكان من بقي فى مكة من المؤمنين يستغفرون فلما خرجوا أنزل الله : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) الآية فأذن الله فى فتح مكة فهو العذاب الذي وعدهم به.
(وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي وأىّ شىء يمنع تعذيبهم بما دون عذاب الاستئصال عند زوال المانع منه ، وكيف لا يعذبون وهم يمنعون المسلمين من دخول المسجد الحرام ولو لأداء النسك؟ فما كان مسلم يقدر أن يدخل المسجد الحرام فإن دخل مكة عذبوه إذا لم يكن فيها من يجيره ، والمراد بالعذاب هنا عذاب بدر إذ قتل صناديدهم ورءوس الكفر كأبى جهل وأسر سراتهم.
(وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) أي وما كانوا مستحقين للولاية عليه لشركهم وعمل المفاسد فيه كطوافهم فيه عراة رجالا ونساء ، وهذا ردّ لقولهم : نحن ولاة البيت والحرام ، نصد من نشاء وندخل من نشاء.
(إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) أي إنه لا يلى أمره إلا من كان برّا تقيا ، لامن كان كافرا عابدا للصم.
(وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أنهم ليسوا أولياء الله ، ولا أن أولياءه ليسوا إلا المتقين ؛ فهم الآمنون من عذابه بمقتضى عدله فى خلقه والجديرون بولاية بيته. وقد نسب هذا الجهل إلى الأكثر ، إذ كان فيهم من لا يجهل حالهم فى جاهليتهم وضلالهم فى شركهم وكون الله لا يرضى عنهم ، كما كان فيهم من يكتم إيمانه خوفا من الفتنة ومنهم المستعدون له بسلامة الفطرة ، وقد جرت سنة القرآن أن يدقق فى الحكم ، ولا يقول إلا الحق ولا يقول كما يقول الناس : إن القليل لا حكم له.
هذا ، وإن جماهير المسلمين الآن صاروا يجهلون ولاية الله لأوليائه ، فصارت هذه الولاية عندهم تشمل المجانين والمجاذيب الذين يسيل اللعاب من أشداقهم وترتع الحشرات فى ثيابهم وأجسادهم ، وتشمل أصحاب الدجل والخرافات ، والدعاوى الباطلة للكرامات ، وصاروا يؤيدون دعاويهم من رؤيا الأنبياء والأقطاب فى المنام.