ثم حكى سبحانه ما قاله فرعون حينئذ :
(قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أي قال فرعون لموسى إن كنت قد جئت مؤيدا بآية من عند من أرسلك كما تدّعى فأتنى بها وأظهرها لدىّ إن كنت ممن يقول الصدق ويلتزم قول الحق.
ثم ذكر أن موسى أجابه إلى ما طلبه فقال :
(فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ ، وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ) أي فلم يلبث موسى أن ألقى عصاه التي كانت بيمينه أمام فرعون فإذا هى ثعبان ـ ذكر الحيات ـ مبين ، أي ظاهر بيّن لا خفاء فى كونه ثعبانا حقيقيا يسعى وينتقل من مكان إلى آخر وتراه الأعين من غير أن يسحرها ساحر فيخيل إليها أنها تسعى ، وقوله : ونزع يده ، أي أخرجها من جيب قميصه بعد أن وضعها فيه بعد إلقاء العصا فإذا هى بيضاء ناصعة البياض تتلألأ لكل من ينظر إليها.
وقد ذكر رواة التفسير بالمأثور روايات غاية فى الغرابة فى وصف الثعبان ليس لها سند يوثق به وما هى إلا إسرائيليات تلقفها المفسرون من أهل الكتاب الذين كانوا يكيدون للإسلام وللعرب كروايات وهب بن منبّه ؛ وهو فارسى الأصل أخرج كسرى والده إلى بلاد اليمن فأسلم فى زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكان ابنه من بعده يختلف إلى بلاده بعد فتحها ، ومثله روايات كعب الأحبار الإسرائيلى ، وقد كان كلاهما كثير الرواية للغرائب التي لا يعرف لها أصل معقول ولا منقول ، وقومهما كانوا يكيدون للمسلمين الذين فتحوا بلاد الفرس وأجلوا اليهود من الحجاز ، ألا ترى أن قاتل الخليفة الثاني فارسى مرسل من جماعة سرية لقومه ، وقتلة الخليفة الثالث كانوا مفتونين بدسائس عبد الله بن سبأ اليهودي.
ويرى المحققون من أعلام المسلمين أن الفتن السياسية والأكاذيب التي حدثت فى الرواية فى الصدر الأول يرجع أمرها إلى جماعة السبئيين وجماعات الفرس التي كانت تزوّد هؤلاء الوضاعين بأسلحة من الغش والتدليس ليفسد الإسلام على أهله ، ولو لا أن قيض الله للاسلام جماعة من أهل التحقيق أخرجوا البهرج والزيوف وألقوه