ثم ارتدوا وطلبوا من موسى أن يعمل لهم آلهة وأصناما. وفى هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما رآه من اليهود بالمدينة ؛ فإنهم جروا معه على دأب أسلافهم مع أخيه موسى صلوات الله عليه ، وإيقاظ المؤمنين ألا يغفلوا عن محاسبة أنفسهم ومراقبة نعم الله تعالى عليهم ، فإن بنى إسرائيل وقعوا فيما وقعوا فيه من جزاء غفلتهم عما من الله تعالى به عليهم من النعم.
الإيضاح
(وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) أي إنهم تجاوزوه بعناية الله وتأييده ، فكأنه معهم بذاته فجاوزه مصاحبا لهم ، فأتوا عقب تجاوزهم إياه ودخولهم فى بلاد العرب من البحر الأسيوى على قوم يعبدون أصناما لهم : فقالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة حنينا منهم إلى ما ألفوا فى مصر من عبادة المصريين وتماثيلها وأنصابها وقبورها.
وسر هذا الطلب أنهم لم يكونوا قد فهموا التوحيد الذي جاء به موسى كما فهمه من آمن من سحرة المصريين ، إذ أن السحرة كانوا من العلماء فأمكنهم التمييز بين آيات الله التي لا يقدر عليها غيره والسحر الذي هو من صناعات البشر وعلومهم.
ولم يذكر القرآن شيئا يعيّن شأن هؤلاء القوم الذين أتى عليهم بنو إسرائيل. والراجح أنهم من العرب الذين كانوا يقيمون بقرب حدود مصر ؛ روى عن قتادة أنهم من عرب لخم ، وعن ابن جريج أن أصنامهم كانت تماثيل بقر من نحاس.
وقد جاء آخر الفصل الثالث عشر من سفر الخروج (وكان الرب يسير أمامهم نهارا فى عمود من غمام ليهديهم الطريق ، وليلا فى عمود من نار ليضىء لهم ليسيروا نهارا وليلا ، ولم يبرح عمود الغمام نهارا وعمود النار ليلا من أمام الشعب).
ثم جاء فى الفصل الرابع عشر منه بعد ذكر إتباع فرعون ومن معه لبنى إسرائيل (فانتقل ملاك الله السائر أمام عسكر بنى إسرائيل فصار وراءهم وانتقل عمود الغمام من