ثم بين صفات المستكبرين وأحوالهم فقال :
(١) (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها) أي إنهم إذا رأوا الآيات التي تدل على الحق وتثبته لا يستفيدون منها فائدة ما فلا يؤمنون بها ، لأن كثرة الآيات وتعدد أنواعها إنما تفيد من تكون نفسه تواقة لمعرفة الحق لكنه يجهل الوصول إليه أو يشك فى الطريق الموصلة إليه لتعارض الأدلة لديه لخفاء دلالتها أو لسوء فهمه لها ، فإذا خفيت عليه دلالة بعضها فقد تظهر له دلالة غيره فتنكشف الحقيقة واضحة أمامه وتسفر له عن وجهها ، وفى هذا إيماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأن الذين يقترحون عليه الآيات من قومه لا يقصدون استبانة الحق وإيضاحه بل يريدون إحداث الشغب والتعجيز ، فإن هم أجيبوا إلى طلبهم لم يؤمنوا بما جئت به.
(٢) (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) أي وهم ينفرون من سبيل الهدى والرشاد وهى السبيل المعبّدة الواضحة ، فإذا رأى أحدهم هذه السبيل لا يختارها لنفسه ولا يفضلها على ما هو عليه من سبيل الغى ، وهذا منتهى ما يكون من الطبع على القلب والخروج عن جادّة العقل والفطرة ، ومن الناس من يسلك هذه السبيل عن جهل فإذا رأى لنفسه مخرجا منها ارعوى وتركها واختار لنفسه سبيل الرشاد.
(٣) (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) أي إنهم إذا رأوا سبيل الغى والضلال هرعوا إليها وخبوا فيها وأوضعوا ، بما تزينه لهم نفوسهم من سلوكها والسير فيها إلى آخر الحلبة ، وهذه حال لهم شر من سابقتيها ، وهؤلاء الذين اجتمعت لهم هذه الصفات هم الذين طبع الله على قلوبهم وختم على سمعهم وجعل على أبصارهم غشاوة ، فسبيل الحق بغيضة إليهم ، وطريقه مكروهة لديهم :
ثم علل ما سلف من صرفهم عن النظر فى الآيات وعدم اعتبارهم بها فقال :
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) أي إننا عاقبناهم على تكذيبهم بالآيات والغفلة عن النظر إلى الأدلة الموصلة إلى الحق فيما أمرنا به ونهينا عنه ـ بالختم على قلوبهم ، والغشاوة على أعينهم حتى لا يجد الحق منفذا فى الوصول إليها.