جاءهم به من عند الله ويعدلون به دون غيره إذا حكموا بين الناس ، فلا يتبعون هوى ولا يأكلون سحتا ولا رشى ، وهؤلاء من كانوا فى عصر موسى وممن بعد عصره حتى بعد ما ضاع أصل التوراة ووجدت النسخ المحرفة بعد السبي ، فإن الأمم الكبيرة لا تخلو من أهل الحق والعدل.
ونحو الآية قوله : «وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً».
وقد ورد فى خيار أهل الكتاب ثلاثة أنواع من الآيات :
(١) ما كان منها صريحا فى الذين أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا به كقوله فى سورة البقرة : «الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ».
(٢) ما كان صريحا فى الذين كانوا فى عهد موسى عليه السلام واتبعوه أو اتبعوا من بعده من أنبيائهم إلى عهد البعثة العامة قبل بلوغ دعوتها كالآية التي نحن نفسرها.
(٣) ما كان محتملا للقسمين كقوله «مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ».
(وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١٦٠))