ولا شك أن من ظلم نفسه كان لغيره أظلم ، وإن كان ظلمه لنفسه مما يجهل أنه ظلم لها ، إذ يتجلى له فى صورة المنفعة وتكون عاقبته مضرة ، وهكذا الحال فى جميع الظالمين والمجرمين ، فهم يظنون أنهم بظلمهم وإجرامهم ينفعون أنفسهم جهلا منهم للعواقب وقلة تدبر ما ينبغى أن يتفطّن له.
(وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (١٦١) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ (١٦٢))
الإيضاح
تقدم مثل هاتين الآيتين فى سورة البقرة غير أن بين الموضعين فروقا :
(١) إنه قال هنا : اسكنوا القرية ، وفى سورة البقرة : «ادْخُلُوا» والفائدة هنا أتم ، لأن السكنى تستلزم الدخول دون العكس.
(٢) إنه قال هنا : (وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ) وفى سورة البقرة ، «فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً» ، فجاء العطف هناك بالفاء لأن بدء الأكل يكون عقب الدخول كأكل الثمرات والفواكه التي تكون فى كل ناحية من القرية ـ أما السكنى فأمر ممتد يكون الأكل فى أثنائه لا عقبه ، كما وصف هناك الأكل بالرغد وهو : الواسع الهنيء لأن الأكل فى أول الدخول يكون ألذ وبعد السكنى والإقامة لا يكون كذلك.
(٣) إنه قال هنا : (وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) وقدم هنا ما أخر هناك وأخر ما قدمه ، والواو لا تدل على طلب ترتيب بين الأمرين ، فالاختلاف فى التعبير دالّ على عدم الفرق بين تقديم هذا وتأخير ذاك وبين عكسه ، إذ لا فارق بين أن يدعوا بقولهم : (حِطَّةٌ) أي حط عنا أوزارنا وخطايانا الذي هو بمعنى قولنا اللهم غفرا ـ