المرة الآخرة إلى الإفساد عدنا إلى التعذيب والإذلال ، وقد عادوا فسلط الله عليهم النصارى فسلبوا ملكهم الذي أقاموه بعد أن نجوا من سبى البابليين وقهرهم واستذلالهم إلى أن جاء الإسلام ، فعاداه منهم الذين هربوا من الذل والنكال ولجئوا إلى بلاد العرب فعاشوا فيها آمنين أعزّاء لكنهم نكثوا العهد الذي أعطوه للنبى صلى الله عليه وسلم وبه أمّنهم على أنفسهم وأموالهم وحرية دينهم فنصروا المشركين عليه فسلطه الله عليهم فقاتلهم ونصره عليهم فأجلى بعضهم وقتل بعضا وأجلى عمر البقية الباقية منهم إلى سورية ولما فتحها انتقل اليهود من حكم الروم الجائر إلى سلطة الإسلام العادلة ولكنهم فقدوا الملك والاستقلال فى جميع الحالات.
(إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ) أي إن ربك سريع العقاب للأمم التي تفسق عن أمره وتفسد فى الأرض ، فلا يتخلف عقابه عنها كما يتخلف عن بعض الأفراد ، يؤيد هذا قوله : «وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً» أي وإذا أردنا هلاك قرية من القرى أمرنا سادتها وكبراءها بالحق والعدل والرحمة فعصوا أمر ربهم وأفسدوا وظلموا فى الأرض فحق عليهم القول بمقتضى سنته فى خلقه فحل بهم الهلاك وخاق بهم النكال جزاء بما كانوا يعملون.
(وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) لمن أقلع عن ذنبه ، وأناب إليه ، وأصلح ما كان قد أفسد فى الأرض قبل أن يحل به عذابه.
والآية بمعنى قوله : «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى».
وقلما ذكر عذاب الفاسقين إلا قرنه بذكر الرحمة والمغفرة للمحسنين حتى لا ييأس صالح مصلح من رحمة ربه بذنب عمله بجهالة ، ولا يأمن مفسد من عقابه اغترارا بعفوه وكمه وهو مصر على ذنبه.
وقد فصل سبحانه عقابهم فذكر بدء إذلالهم بإزالة وحدتهم وتمزيق جامعتهم فقال :