(مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) أي من بعد ما ظهر لهم بالدليل أنهم من أصحاب النار ، بأن ماتوا على الكفر ، أو بأن نزل وحي يسجل عليهم ذلك كإخباره تعالى عن بعض الجاحدين المعاندين بنحو قوله : «سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ»؟.
وخلاصة ذلك ـ إن النبوة والإيمان الصادق لا يبيحان الاستغفار للمشركين فى كل حال ، حتى ولو كانوا أولى قربى إذا ظهر لهم بالدليل أنهم من أصحاب الجحيم.
ثم أجاب عن سؤال قد يختلج بالخاطر مما تقدم ، فيقال كيف يمنع النبي والمؤمنون من الاستغفار لأقربائهم وقد استغفر إبراهيم لأبيه فقال :
(وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) أي وما استغفر إبراهيم لأبيه آزر بقوله (وَاغْفِرْ لِأَبِي ، إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) أي وفّقه للإيمان واهده إلى سبيله ـ إلا عن موعدة وعدها إياه بقوله : «سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي» أي لا أملك لك هداية ولا نجاة ، وإنما أملك أن أدعو الله لك.
وقد وفّى إبراهيم بما وعد ، ولم يكن إلا وفيا كما شهد الله له بقوله : «وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى».
(فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) أي لم يزل إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات ، فلما مات تبين له أنه عدو لله فتبرأ منه ، قال ابن عباس ، وقيل تبين له ذلك بوحي من الله فتبرأ منه ومن قرابته وترك الاستغفار له ، إذ هذا مقتضى الإيمان كما قال تعالى : «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ» الآية.
ثم بين السبب الذي حمل إبراهيم على الوعد بالاستغفار لأبيه مع شكاسته له وسوء خلقه معه كما يؤذن بذلك قوله : «لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا» فقال :