الإسلام ، فزادتهم كفرا ونفاقا مضموما إلى كفرهم ونفاقهم السابق ، واستحوذ ذلك عليهم واستحكم فيهم إلى أن ماتوا على الكفر والنفاق على مقتضى سننه تعالى فى تأثير الأعمال فى صفات النفس وتغيير هواجس الفكر.
ثم عجّب من حالهم وقد كان لهم زاجر فيما يرون فقال :
(أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ؟) أي أيجهلون هذا ويغفلون عن حالهم فيما يعرض لهم عاما بعد عام من ضروب الابتلاء والاختبار التي تظهر استعداد النفوس للإيمان والكفر والتفرقة بين الحق والباطل ، وينظرون إلى الآيات الدالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فى كل ما أخبر به من نصر الله لمن اتبعه وخذلان أعدائه ووقوع ما أنذرهم به ، ومن إنباء الله بما فى قلوبهم وفضيحتهم بما يكتمون من أعمالهم.
(ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) أي ثم هم مع كل هذا تمر عليهم الأعوام تلو الأعوام ولا يتوبون من نفاقهم ولا يتعظون بما يحلّ بهم من العذاب ، أفبعد هذا برهان على قلة الاستعداد للإيمان وانطفاء نور الفطرة ، ولله در القائل :
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد |
|
وينكر الفمّ طعم الماء من سقم |
وبعد أن بين حال تأثير إنزال السورة فى المنافقين وهم غائبون عن مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم ـ بيّن حالهم وهم فى مجلسه صلى الله عليه وسلم حين نزولها واستماع تلاوته لها فقال :
(وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) أي وإذا أنزلت سورة وهم فى المجلس تسارقوا النظر وتغامزوا بالعيون ، على حين تخشع أبصار المؤمنين وتنحنى رءوسهم ، وتشاوروا فى الانسلال من المجلس خفية ، لئلا يفتضحوا بما يظهر عليهم من سخرية وإنكار قائلا بعضهم لبعض :
(هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟) أي هل يراكم الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو المؤمنون إذا قمتم من المجلس.