(وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) العرش مركز تدبير أمور الخلق كما قال تعالى «ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ» وعظمته بعظمة الرب الذي استوى عليه ، وعظمة الملك الكبير الذي هو مركز تدبيره ، وعظمة العرش والملك فى الملأ الأعلى وفيما دونه هى مظهر عظمة الله سبحانه وتعالى ، ودليل على أنه وحده الإله الحق الذي لا ينبغى أن يعبد غيره ولا يتوكل على سواه ، وهو المالك للعالم كله والمدبر لهم.
روى أحمد والبخاري والترمذي وغيرهم عن زيد بن ثابت فى جمع القرآن وكتابته فى عهد أبى بكر أنه قال : حتى وجدت من سورة التوبة آيتين عند خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) إلى آخرها ـ يريد أنه لم يجدهما مكتوبتين عند ما جمع المكتوب فى الرقاع والأكتاف والعسب إلا عنده ، وقد كانتا محفوظتين معروفتين للكثير كما صرح بذلك فى الروايات الأخرى ؛ فقد أخرج ابن أبى داود فى المصاحف عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال : أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر براءة (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ـ إلى قوله وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) إلى عمر فقال : من معك على هذا؟ فقال : لا أدرى والله إلا أنى أشهد لسمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتهما وحفظتهما ، فقال عمر : وأنا أشهد لسمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لو كانت ثلاث آيات لجعلتهما سورة على حدة ، فانظروا سورة من القرآن فألحقوها بها ، فألحقت فى آخر براءة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر أن رجلا من الأنصار جاء بهما عمر ، فقال عمر لا أسألك عليها بينة أبدا ، كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها.
ومن هذه الروايات يعلم أن الآيتين كانتا محفوظتين مشهورتين ، إلا أنهم اختلفوا فى موضعهما ففى بعضها أنهما آخر سورة براءة بالتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم وفى بعضها أنهما وضعتا بالرأى والاجتهاد ، ولكن المعتمد هو الأول ، لأن من حفظ التوقيف حجة على من لم يحفظ.