قلت : المصلّون جماعة مرادهم به إدراك كلّ ثواب يتحقّق فيه ونيل كلّ ثمرة يترتّب عليه وإن لم يعلموا تفصيلا أنّها ما هي؟ مع أنّ ثواب الفعل ربّما يزيد وربّما ينقص بالوجوه والاعتبارات ، ولذا من جاء بالحسنة ربّما يكون له عشر أمثالها ، وربّما يزيد عن ذلك ، حتّى أنّه ربّما يكون له سبع مائة ، وربّما يضاعف الله تعالى أضعاف ذلك ، هذا بخلاف الثواب المترتّب على فعل مع عدم إرادته أصلا بل وإرادة عدمه ، على أنّ تحقّق خلاف القاعدة في مادّة لا يقتضي تحقّقه كلّيا ، فتأمّل!
القسم الثالث : أن يكون بعضها واجبا وبعضها مستحبا ، والكلام فيه يظهر ممّا تقدّم ، إلّا أن يزيد هنا أنّ الواجب والمستحب متضادّان بالبديهة ، فمع الاجتماع ـ كما هو المفروض ـ كيف يصير أحدهما عين الآخر وهو هو بعينه؟ سيّما وأن يدعى كون ذلك مقتضى الأصل وتحقّق الامتثال العرفي ، مع أنّ الشيعة متّفقون على عدم جواز اجتماعهما في فرد واحد وإن اختلف جهتهما ، كاجتماع الحرام والواجب في مثل الصلاة في الدار المغصوبة. والأشعري وإن جوّز الاجتماع ، لكن يقول بأنّ المكلّف جمعهما لا الشارع (١) ، ولا يرضون بالاجتماع من قبل الشارع.
وبالجملة ، الأحكام الخمسة بأسرها متضادّة ، كما هو مسلّم ومحقّق في محلّه ، وأين هذا من كون الأصل هو التداخل ، للأصل وصدق الامتثال؟
وأيضا بعضها رافع للحدث وبعضها غير رافع له أصلا ، فكيف يكون الأصل في مثله التداخل؟ سيّما من الجهة التي ذكر.
مع أنّ الرافع للحدث هنا ليس مثل الوضوء ، لما ظهر في الوضوء من اتّحاد الحدث فيه وكونه معنى واحدا ، لكون المعنى عدم تأتّي الصلاة ـ مثلا ـ ممّن لم يتوضّأ بعد الحدث الأصغر ، وحصولها ممّن توضّأ أيّ وضوء يكون ، لقوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ
__________________
(١) الملل والنحل : ١ / ٨٨.