ثم أبان أن هذه الأصنام التي اتخذت شفعاء لا تملك لنفسها شيئا ولا تعقل شيئا ، فكيف تشفع؟ وبعدئذ ذكر مقابحهم ومعايبهم وأنه إذا قيل لا إله إلا الله وحده ظهرت آثار النفرة في وجوههم ، وإذا ذكرت الأصنام ظهرت علامات الفرح والسرور فيها ، وهذا منتهى الجهل والحمق الشديد.
الإيضاح
(إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ) أي إنا أنزلنا إليك القرآن بالحق لتبلّغه للانس والجن مبشرا برحمة الله ، ومنذرا بعقابه ، وفيه مناط مصالحهم في معاشهم ومعادهم والهادي لهم إلى الصراط المستقيم.
(فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ) أي فمن عمل بما فيه واتبعه فإنما بغى الخير لنفسه ، إذ أكسبها رضا خالقها ، وفاز بالجنة ونجا من النار.
(وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) أي ومن حاد عن البيان الذي بيناه لك ، فضّل عن الحجة ، فإنما يجور على نفسه ، وإليها يسوق العطب والهلاك ، لأنه يكسبها سخط الله وأليم عقابه في دركات الجحيم «يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ».
(وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) أي وما أنت أيها الرسول برقيب على من أرسلت إليهم ترقب أعمالهم وتحفظ عليهم أفعالهم ، إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب.
ونحو الآية قوله : «إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ» وقوله : «فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ».
ثم ذكر سبحانه نوعا من أنواع قدرته البالغة ، وصفته العجيبة فقال :
(اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) أي الله هو الذي يقبض الأنفس حين انقضاء آجالها بالموت ، ويقطع تعلقها بالأجساد تعلق المتصرّف فيه.