وعلى الجملة فالتكوين لم يكن في لحظة واحدة ، بل كان وفق الحكمة والنظام فى غير نوبة ، وكفى بكتاب مقدس أن يقول : إنه خلق الأرض في نوبتين ، وما عليها فى نوبتين ، والسموات السبع كذلك.
ثم ذكر ما كان من شأنهما بعد خلقهما فقال :
(فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) أي فقال لتلك العوالم السماوية ، وللأرض التي دارت حولها : ائتيا كيف شئتما طائعتين أو كارهتين فأجابتا قالتا أتينا طائعين ، قال ابن عباس : قال الله تعالى للسموات : أطلعى شمسك وقمرك وكواكبك ، وأجرى رياحك وسحابك ، وقال للأرض : شقى أنهارك ، وأخرجى شجرك وثمارك ، طائعتين أو كارهتين : «قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ».
وفي هذا دلالة على الحركة المستمرة المعبر عن سببها بالجاذبية ، فهى حركة تجرى جرى طاعة لا جرى قسر ، فإنا نشاهد أنا نرمى الحجر إلى أعلى قسرا فيأبى إلا أن ينزل إلى الأرض بطريق الجاذبية إلى جسم أكبر منه وهى الأرض ، وهكذا الأرض مجذوبة إلى الشمس التي هى أصلها بحركة دورية دائمة طوعا لا قسرا ، لأن القسرية كرمى الحجر إلى أعلى سريعة الزوال ، أما حركة الطاعة فهى دائمة ما دام المطيع متخلقا بخلقه الذي هو فيه.
(فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) أي فأتم خلقهن خلقا إبداعيا وأتقن أمرهن فى نوبتين سوى الأربعة الأيام التي خلق فيها الأرض ، فوقع خلق السموات والأرض فى ستة كما قال : «خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ» على ما اقتضته الحكمة وحسن النظام.
ومن ذلك يفهم وجه الحكمة في قوله ـ فقال لها وللأرض إلخ ، وهى الدلالة على أن حركة الإتيان منهما كانت معا ، فبينما نرى الأرض دائرة حول نفسها وحول