وبعد أن ذكر محاسن الأعمال التي بين العبد وربه ـ ذكر محاسن الأعمال التي بين العباد بعضهم مع بعض ترغيبا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم في الصبر على أذى المشركين ومقابلة إساءتهم بالإحسان فقال :
(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) أي ولا تتساوى الحسنة التي يرضى الله بها ويثيب عليها ، والسيئة التي يكرهها ويعاقب عليها.
وقد يكون المعنى ـ ولا تستوى دعوة الرسول إلى الدين الحق بالطرق المثلى ، والصبر على سفاهة الكفار ، وترك الانتقام منهم ـ وما أظهروه من الغلظة والفظاظة فى قولهم : «قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ» وقولهم : «لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ».
والخلاصة ـ إن فعلك أيها الرسول حسنة ، وإن فعلهم سيئة ، فإذا أتيت بهذه الحسنة استحققت التعظيم في الدنيا ، والمثوبة في الآخرة ، وهم بضد ذلك ، فلا ينبغى أن يكون إقدامهم على السيئة مانعا من الاشتغال بالحسنة.
ثم ذكر بعض الحسنات ووضحها بذكر بعض ضروبها فقال :
(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي ادفع سفاهتهم وجهالتهم بالطريق التي هى أحسن الطرق ، فقابل إساءتهم بالإحسان إليهم ، والذنب بالعفو ، والغضب بالصبر والإغضاء عن الهفوات ، واحتمال المكاره ، فإنك إن صبرت على سوء أخلاقهم مرة بعد أخرى ولم تقابل سفههم بالغضب ، ولا أذاهم بمثله ، استحيوا من ذميم أخلاقهم ، وتركوا قبيح أفعالهم.
ثم بين نتائج الدفع بالحسنى فقال :
(فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) أي إنك إن فعلت ذلك انقلبوا من العداوة إلى المحبة ، ومن البغض إلى المودة ، قال عمر : ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه ، وقال ابن عباس : أمره الله تعالى في هذه الآية بالصبر