أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال : إن أهل مكة قالوا : يزعم محمد أن من عبد الأوثان ودعا مع الله إلها آخر ، وقتل النفس التي حرم الله لم يغفر له ، فكيف نهاجر ونسلم وقد عبدنا الآلهة وقتلنا النفس ونحن أهل شرك فأنزل الله (قُلْ يا عِبادِيَ) الآية.
الإيضاح
(قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) أي قل أيها الرسول للمؤمنين الذين أسرفوا على أنفسهم وتجاوزوا حدود الله ، فارتكبوا محارمه وتركوا أوامره : لا تيأسوا من مغفرة الله ، فهو يغفر الذنوب جميعا لمن تاب إليه ولجأ إلى جنابه ، وإن كثرت وكانت كز بد البحر.
روى البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما : أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وزنوا فأكثروا ، فأتوا محمدا صلّى الله عليه وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزل : «وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ» ونزل : «قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ».
والمراد من الآية الأولى قوله : «إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً» الآية : وروى أحمد عن ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال : ما أحب أن لى الدنيا وما فيها بهذه الآية : «قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ» إلى آخر الآية ، فقال رجل يا رسول الله فمن أشرك ، فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم قال : «ألا ومن أشرك ـ ثلاث مرات».