نوره ، ثم أرشد رسوله ألا يغتر بأحوال أولئك المجادلين وتركهم سالمين في أبدانهم وأموالهم يتصرفون في البلاد للتجارة ، لسعة الرزق والتمتع بزخرف الدنيا ، فإنه سيأخذهم أخذ عزيز مقتدر كما فعل بأمثالهم من الأمم الماضية ممن كذبوا رسلهم فحلّ بهم البوار فى الدنيا ، وسينزل بهم النكال في الآخرة في جهنم وبئس القرار.
الإيضاح
(ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) أي ما يخاصم في القرآن بالطعن فيه وتكذيبه كقولهم مرة إنه شعر ، وأخرى إنه سحر وثالثة إنه أساطير الأولين إلى أشباه ذلك من سخيف المقال ـ إلا الذين جحدوا به وأعرضوا عن الحق مع ظهوره.
وهذا النوع من الجدل هو المذموم ، وإليه الاشارة بقوله صلّى الله عليه وسلم «لا تماروا في القرآن ، فإن المراء فيه كفر» أما الجدل لتقرير الحق وإيضاح الملتبس ، وكشف المعضل ، واستنباط المعاني ، ورد أهل الزيغ بها ، ورفع اللبس ، ودفع ما يتعلق به المبطلون من متشابهات القرآن ، فهو وظيفة الأنبياء ، ومنه قوله تعالى حكاية عن قوم نوح لنوح «يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا».
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : «هاجرت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوما فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية ، فخرج يعرف في وجهه الغضب ، فقال إنما هلك من كان قبلهم باختلافهم في الكتاب» رواه مسلم.
وقال أبو العالية : آيتان ما أشدهما علىّ : «ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا» الآية ، وقوله : «وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ» ولما حكم سبحانه على المجادلين في آيات الله بالكفر نهى رسوله صلّى الله عليه وسلم أن يغتر بشىء من حظوظهم الدنيوية فقال :
(فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ) أي فلا يغررك ما يفعلونه من التجارة النافعة