(ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا) أي لا سبيل إلى رجعتكم إلى الدار الدنيا ، لأن طباعكم لا تقبل الحق بل تنفيه ، فإنكم كنتم فيها إن دعى الله وحده كفرتم وأنكرتم أن تكون الألوهية له خاصة ، وإن أشرك به مشرك صدقتموه وآمنتم بقوله ، فأنتم هكذا تكونون لو رددتم إلى الدنيا كما قال : «وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ».
ثم ذكر ما ترتب على أعمالهم التي عملوها وما ضرّوا بها إلا أنفسهم فقال :
(فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) أي فالحكم حينئذ لله الذي لا يحكم إلا بالحق ، ولا يقضى إلا بما تقتضيه الحكمة ، وهو ذو الكبرياء والعظمة الذي ليس كمثله شىء ، ومن ثم اشتدت سطوته بمن أشركوا به ، واقتضت حكمته خلودهم في النار ، فلا سبيل إلى خروجكم منها أبدا إذ أشركتم به سواه.
ثم ذكر ما يدل على كبريائه وعظمته فقال :
(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ) أي هو الذي يظهر قدرته لخلقه ، بما يشاهدونه في العالم العلوي والسفلى من الآيات العظام الدالة على كمال خالقها وقدرة مبدعها وتفرده بالألوهية كما قال :
وفي كل شىء له آية |
|
تدلّ على أنه واحد |
ثم خصص من هذه الآيات ما هم في أشد الحاجة إليه وهو المطر فقال :
(وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً) أي وهو الذي ينزل لكم المطر الذي يخرج به من الزرع والثمار ما تشاهدونه مما هو مختلف الألوان والطعوم والروائح والأشكال ، مما أبدعته يد القدرة ووشّته بأبدع الحلي والمناظر.
(وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) أي وما يعتبر بتلك الآيات ، ويستدل بها على عظمة خالقها ، إلا من ينيب إلى ربه ، ويتفكر في بديع ما خلق ، وعظيم ما أوجد ، ويترك التقليد واتباع الهوى.