أرسله بالآيات البينات إلى فرعون وهامان وقارون فكذبوه وجعلوه ساحرا مجنونا حين عجزوا عن معارضته.
وخص فرعون وهامان وقارون بالذكر ، لأنهم الرؤساء المكذبون والناس تبع لهم.
ولما عجزوا عن مقارعة الحجة بالحجة لجئوا إلى استعمال القوة كما هو دأب المحجوج المغلوب على أمره ، وإلى هذا أشار بقوله :
(فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ) أي فلما جاءتهم الآيات البينات الدالة على توحيد الله ووجوب العمل بطاعته ، قالوا غيظا وحنقا وعجزا عن المعارضة : اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه من أبناء بنى إسرائيل وأبقوا نساءهم لخدمتنا.
قال قتادة : هذا قتل غير القتل الأول ، لأن فرعون كان قد أمسك عن قتل الولدان بعد ولادة موسى ، فلما بعث الله موسى أعاد القتل على بنى إسرائيل عقوبة لهم فكان يأمر بقتل الذكور وترك الإناث ليمتنعوا من الإيمان ، ولئلا يكثر جمعهم ويشتد عضدهم بالذكور من أولادهم ، لكن الله شغلهم عن ذلك بما أنزل عليهم من أنواع العذاب كالضفادع والقمّل والدم والطوفان إلى أن خرج بنو إسرائيل من مصر.
وإلى هذا أشار سبحانه بقوله :
(وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) أي وما مكرهم وقصدهم وهو تقليل عدد بنى إسرائيل لئلا ينصروا عليهم ـ إلا ذاهب سدى وباطلا ، فالناس لا يمتنعون من الإيمان وإن فعل بهم ما فعل ، وإن القدر المقدور لا محالة نافذ ، والقضاء المحتوم لا بدّ واقع ، والنصر حليف المؤمنين ، كما وعد في كتابه المكنون «كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي».
والخلاصة ـ إن ما أظهروه من الإبراق والإرعاد سيضمحل لا محالة ويذهب هباء أمام تلك القوة القاهرة وسيكون النصر للمتقين.