ثم ذكر أنه ما كفاهم قتل البنين واستحياء البنات من بنى إسرائيل بل أرادوا أن يجتثوا هذه الشجرة من أصلها ، كما أشار إلى ذلك سبحانه بقوله :
(وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) أي وقال فرعون لملئه : دعونى أقتل موسى وليدع ربه الذي أرسله إلينا ليمنعه منا ، وكان إذا همّ بقتله كفوه وقالوا له : ليس هذا بالذي يخاف منه وهو أضعف من ذلك شأنا ، وما هو إلا ساحر يصاوله ساحر مثله ، وإنك إن قتلته أدخلت الشبهة في نفوس القوم واعتقدوا أنك عجزت عن مقابلة الحجة بالحجة ، وما يزالون به هكذا يحاورونه ويداورونه حتى يكف عن قتله.
وربما يكون قد قال ذلك تمويها على قومه وإيهاما أن حاشيته هم الذين يكفونه عن قتله ، وما يكفه عن ذلك إلا ما في نفسه من هول الفزع الذي استحوذ عليه ، كما يرشد إلى ذلك قوله «وَلْيَدْعُ رَبَّهُ» فإن ظاهره الاستهانة به بدعائه ربه سبحانه ؛ كما يقال : ادع ناصرك فإنى منتقم منك ، وباطنه أن فرائصه كانت ترتعد من دعائه ربه ، فلهذا تكلم بما تكلم به مظهرا أنه لا يبالى بدعائه ربه ، كما يقول القائل ذرونى أفعل كذا وما كان فليكن.
ثم ذكر السبب في قتله فقال :
(إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) أي إنى أخاف أن يفسد موسى عليكم أمر دينكم الذي أنتم عليه من عبادة غير الله ويدخلكم في دينه الذي هو عبادة الله وحده ، أو يوقع بين الناس الخلاف والفتنة ، إذ يجتمع إليه الهمل الشّرّد ويكثرون من الخصومات والمنازعات وإثارة القلاقل والاضطرابات ، فتتعطل المزارع والمتاجر وتعدم المكاسب.
والخلاصة ـ إنه يقول : إنى أخاف أن يفسد عليكم أمر دينكم بالتبديل ، أو يفسد عليكم أمر دنياكم بالتعطيل ، وهما أمران أحلاهما مرّ.