وبعد أن خوفهم العذاب الدنيوي خوفهم العذاب الأخروى فقال :
(وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ. يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) أي إنى أخاف عليكم عذاب يوم القيامة حين ينادى بعضكم بعضا ، ليستغيث به من شدة الهول ، أو حين ينادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ، وينادى «أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ قالُوا نَعَمْ» وينادى «أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ».
يوم تولون مدبرين هربا من زفير النار وشهيقها ، فلا يجديكم ذلك شيئا ، ولا تجدون من يعصمكم من العذاب ، فتردّون إليه وينالكم منه ما قدّر لكم وكتب عليكم.
ثم نبه إلى شدة ضلالتهم وعظيم جهالتهم فقال :
(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) أي ومن يخذله الله ولا يلهمه رشده فما له هاد يهديه إلى طريق النجاة ويوفقه إلى الخلاص.
وفي هذا إيماء إلى أنه يئس من قبولهم نصحه.
ثم وبخهم بأنهم ورثوا التكذيب بالرسل من آبائهم الأولين ، وأسلافهم الغابرين فقال :
(وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) أي ولقد جاء آباءكم يوسف من قبل موسى بالآيات الواضحات ، والمعجزات الباهرات ، فلم يزالوا في ريب من أمره ، وشك من صدقه ، فلم يؤمنوا به ، حتى إذا مات قالوا : لن يبعث الله رسولا من بعده يدعو إليه ويحذّر بأسه ، ويخوّف من عقابه ، فالتكذيب متوارث ، والعناد قديم ، والريب دأب آبائكم الغابرين ، وقد نسب تكذيب الآباء إليهم ، لما تقدم من أن الأمم متكافلة فيما بينها ، فينسب ما حدث من بعضها إلى جميعها ، إذا تواطئوا واتفقوا عليه كما جاء في قصص