(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أي ولكن هؤلاء المشركين لا يتدبرون هذه الحجة ولا يتأملونها ولا يعلمون أن الله لا يعجزه شىء.
وبعد أن ذكر سبحانه الجدل بالباطل ذكر مثلا للمجادل بالباطل والمحق بين به أنهما لا يستويان فقال :
(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) أي وما يستوى الكافر الذي لا يتأمل حجج الله بعينيه فيتدبرها ويعتبر بها ، فيعلم وحدانيته وقدرته على خلق ما يشاء ويؤمن بذلك ويصدق به ـ والمؤمن الذي يرى بعينيه تلك الحجج فيتفكر فيها ويتعظ بها ويعلم ما تدل عليه من توحيده وعظيم سلطانه وقدرته على خلق الأشياء جميعها صغيرها وكبيرها ، وقد ضرب لهما مثل الأعمى والبصير ، ليستبين ذلك الفارق على أتم وجه وأعظم تفصيل ، فما الأمثال إلا وسائل للايضاح تبين للناس المعقولات وهى لابسة ثوب المحسوسات ، فيتضح ما أنبهم منها وخفى من أمرها كما قال : «وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ».
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ) أي وكذلك لا يستوى المؤمنون المطيعون لربهم والعاصون المخالفون لأمره ، ونحو الآية قوله : «وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ. وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ».
(قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) أي ما أقل ما تتذكرون حجج الله فتعتبرون بها وتتعظون ، ولو تذكرتم واعتبرتم لعرفتم خطأ ما أنتم عليه مقيمون من إنكاركم قدرة الله على إحياء من فنى من خلقه وإعادته لحياة أخرى غير هذه الحياة.
ولما قرر الدليل على إمكان وجود يوم القيامة والبعث والنشر ـ أردفه الإخبار بأنه واقع لا محالة فقال :
(إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها) أي إن يوم القيامة الذي يحيي فيه الله الموتى للثواب والعقاب لآت لا شك فيه ، فأيقنوا بمجيئه ، وأنكم مبعوثون من بعد مماتكم ،