وبعد أن ذكر دلائل الآفاق والأكوان ـ ذكر دلائل الأنفس فقال :
(وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي وخلقكم فأحسن خلقكم ، إذ خلق كلا منكم منتصب القامة ، بادى البشرة ، متناسب الأعضاء ، مهيأ لمزاولة الصناعات ، واكتساب الكمالات ، ورزقكم من طيبات المطاعم والمشارب.
(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) أي ذلكم الذي أنعم عليكم بهذه النعم ، هو الذي لا تنبغى الألوهة إلا له ، ولا تصلح الربوبية لغيره ، لا من لا ينفع ولا يضر ، فتقدس سبحانه وتنزه وهو رب العالمين.
ثم نبه إلى وحدانيته وأمر بإخلاص العبادة فقال :
(هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي هو الحي الذي لا يموت ، وما سواه فمنقطع الحياة غير دائمها ، لا معبود بحق غيره ولا تصلح الألوهة إلا له ، فادعوه مخلصين له الطاعة ، ولا تشركوا في عبادته شيئا سواه من وثن أو صنم ، ولا تجعلوا له ندّا ولا عدلا.
ثم أمر عباده أن يحمدوه على جزيل نعمه وجليل إحسانه فقال :
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي احمدوه سبحانه فهو مالك جميع أصناف الخلق من ملك وإنس وجن ، لا الآلهة التي تعبدونها ، ولا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا فضلا عن نفع غيرها وضره ، وعن ابن عباس أنه قال : «من قال لا إله إلا الله فليقل إثرها : الحمد لله رب العالمين» وذلك قوله : «فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ».
(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦٦) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ