ولما بين أنه نهى عن عبادة غير الله ـ أردف ذلك أنه أمر بعبادته تعالى فقال :
(وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) أي وأمرت أن أنقاد له تعالى وأخلص له دينى.
ثم ذكر من الدلائل على وجوده تعالى تكوين الإنسان من ابتداء النطفة إلى وقت الشيخوخة فقال :
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً ، وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أي هو الذي خلقكم من التراب ، إذ كل إنسان مخلوق من المنى ، والمنى مخلوق من الدم ، والدم يتولد من الأغذية ، والأغذية تنتهى إلى النبات ، والنبات يتكون من التراب والماء ـ ثم ذلك التراب يصير نطفة ثم علقة إلى مراتب كثيرة حتى ينفصل الجنين من بطن الأم.
وقد رتب سبحانه عمر الإنسان ثلاث مراتب :
(١) الطفولة. (٢) بلوغ الأشد. (٣) الشيخوخة ، ومن الناس من يتوفى قبل المرتبة الأخيرة. وهو يفعل ذلك لتبلغوا الأجل المسمى وهو يوم القيامة ، ولتعقلوا ما في التنقل في هذه الأطوار المختلفة من فنون العبر والحكم.
وكما استدل بهذه التغيرات على وجود الإله القادر ـ استدل على ذلك بانتقال الإنسان من الحياة إلى الموت ، ومن الموت إلى الحياة فقال :
(هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) أي قل لهم أيها الرسول : هو الذي يحيى من يشاء بعد مماته ، ويميت من يشاء من الأحياء وإذا أراد كون أمر من الأمور التي يريد تكوينها ، فإنما يقول له كن فيكون بلا معاناة ولا كلفة.
وهذا تمثيل لتأثير قدرته في المقدورات حين تعلق إرادته بوجودها ، وتصوير سرعة ترتب المكوّنات على تكوينه من غير أن يكون هناك آمر ومأمور.