وفي طريق آخر : مرض فدوّن ما معه في صحيفة وطرحها الى متاعه ولم يخبرهما به ، وأوصى إليهما أن يدفعا متاعه إلى أهله ، ومات ، ففتشاه وأخذا منه إناء من فضة وزنه ثلاث مائة مثقال ، منقوش بالذهب ، فغيّباه فأصاب أهله الصحيفة ، وطالبوهما بالإناء فجحدا ، فترافعوا الى رسول الله (ص) فحلّفهما رسول الله (ص) بعد صلاة العصر عند المنبر ، وخلي سبيلهما ثم وجد الإناء في أيديهما ، فأتاهم بنوسهم في ذلك ، فقالا : قد اشترينا ، فكرهنا ان نقر به ، فرفعوهما الى رسول الله (ص) ، فنزلت (فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا) إلخ ، وليس فيه ذكر القلادة.
وكيف كان فحق مفاد المنزل : إما أن يكون مطابقا للواقعة أو أعم منها حتى يكون بيانا لحكمها ، لا أجنبيا عنها.
اللهم إلا أن يقال : لما كانت الواقعة في الوصية بمعنى الإيصاء ، ولو بإيصال المال إلى الورثة ، كفى ذلك لبيان حكم الإشهاد على الوصية ولو استطرادا ، سيما والوصية لم تنفك غالبا عن اعتراف الميت الذي يتحمل الوصي شهادة عليه وان كان مدعيا في كونه وصيا.
ثم ان الآية اشتملت على أحكام مخالفة للقواعد : (منها) إحلاف
__________________
فهذه الشهادة الأولى التي جعلها رسول الله (فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقّا إِثْماً) أي أنهما حلفا على كذب (فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما) يعني من أولياء المدعي (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ) يحلفان بالله أنهما أحق بهذه الدعوى منهما فإنهما قد كذبا فيما حلفا بالله (لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنّا إِذاً لَمِنَ الظّالِمِينَ) فأمر رسول الله (ص) أولياء تميم الداري : أن يحلفوا بالله على ما أمرهم فحلفوا ، فأخذ رسول الله (ص) القلادة والآنية من ابن بندي وابن أبي مارية ، وردهما على أولياء تميم الداري ..».