وأمّا جهة المسجد وجهة الحرم ، فبينهما بون بعيد بالنسبة إلى جماعة من المكلّفين.
وأيضا إن أرادوا ما وجّهه الشهيد (١) ـ كما ستعرف ـ فلا نزاع أصلا ، غير الحزازة في عبارات هؤلاء.
وإن أرادوا ظاهر عباراتهم ، ففيه أنّه خلاف الإجماع والأدلّة اليقينيّة ، فإنّ أهل المدينة وأطرافها بأجمعهم من الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والصحابة وغيرهم كانوا يصلّون بعلامة واحدة إلى مكّة بجعل القطب بين الكتفين على النهج المعلوم ، لا أن كلّ أربعة فراسخ منهم يصلّون إلى قبلة غير قبلة الآخرين.
فكيف يصير قبلة جميعهم صحيحة مع كونهم متوجّهين إلى غير الحرم؟ ومن توجّه إلى الحرم أيضا لا تصحّ صلاتهم ، لعدم ظنّهم بكونهم بأعيانهم توجّهوا إلى الحرم.
وكذلك الحال بالنسبة إلى أهل الكوفة والبصرة ، بل وغيرهما أيضا ، للاتّفاق على كونه المدار على العلامات بالنهج المقرّر وسيجيء.
فإن قلت : لعلّهم يريدون من الحرم جهته ، بل لا محيص لهم عن ذلك ، لما ذكر هنا ، وسابقا من عدم تجويز أحد أن يصلّي قريب الحرم المتّصل به ، والمقارب له إلى الجهة المباينة لجهة المسجد والكعبة.
قلت : على هذا عاد النزاع لفظيّا مع حزازة العبارة ، فإنّ الشهيد حمل على ما استدلّ به هؤلاء من الأخبار ، على أنّ المراد من المسجد والحرم جهتهما ، وإنّما ذكرهما على سبيل التقريب إلى أفهام المكلّفين ، إظهارا لسعة الجهة.
فإن قلت : لعلّ مرادهم من الحرم جهته وكذا المسجد ، لكن جهة المسجد
__________________
(١) ذكرى الشيعة : ٢ / ١٥٨ و ١٥٩.