وبالجملة ؛ لم يوجد دليل تامّ كامل على كفاية العمل بالظن ، مع تيسّر العلم من دون حرج أصلا ورأسا بعد تسليم تماميّة ذلك الدليل ، فإنّما يتمّ عند المجتهد لا المقلّد له ، بل المقلّد لا يتأتّى منه الاكتفاء بالظنّ مع العجز عن اليقين إلّا بملاحظة ما أشرنا إليه من المقدّمات الضروريّة إذا تفطّن بها وبكونها ضروريّة أو يقينيّة لا أقلّ منه.
وأمّا استدلاله بقوله تعالى (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (١) ففيه أنّ ظاهره العلم بالشطر لا المظنّة ، كما عرفت ، وبعد العلم لا تأمّل لأحد.
ومراعاة الأمارات المستفادة ، ليست إلّا لتحصيل ذلك العلم أو الظنّ بها ، ولم يجعل أحد طريق الظن منحصر فيها ، بل هي كغيرها من الظنون ، لا بدّ من اعتبارها حتّى يحصل الظنّ ، ومن دون حصول الظن أيضا كيف يعوّل على الجهة؟
مع أنّها أقوى الظنون عند الكلّ بلا شبهة ، والتحرّي هو مراعاة الأحرى فالأحرى ، والأقوى فالأقوى ، كما هو معناه ، وكيف يستدلّ بالآية على عدم لزوم مراعاة موجبات العلم ولا موجبات المظنّة؟
بل كيف يمكن الاستدلال بها على كفاية أدنى مظنّة مع تيسّر العلم وأقوى الظنون؟
وكذا استدلاله بالأخبار عجيب ، إذ ليس كلّ أحد يكفيه أن يضع الجدي خلف قفاه ، بل ربّما يصير المكلّف بالوضع مستدبر القبلة بالبديهة ، فلا بدّ من معرفة المخاطب بالخطاب المذكور ، ولذا ورد : «اجعل الجدي على يمينك» (٢).
مع أنّ الخبرين غير صحيحين ، مع أنّه ورد المنع عن الاجتهاد في القبلة ،
__________________
(١) البقرة (٢) : ١٥٠.
(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨١ الحديث ٨٦٠ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٠٦ الحديث ٥٢٢٤.