وهكذا الحال فى البويضات التي يفرزها مبيض المرأة ، فإنها بعد أن تكون فى المبيض على شكل حويصلة صغيرة تسمى حويصلة (جراف) تنمو وتبلغ أشدها فى نحو شهر حتى تقترب من المبيض ثم تنفجر كما تنفجر الفقاعة وتندفع منها البويضات مع السائل الذي خرج من الفقاعة إلى البوق حيث يقابلها حيوان منوى يقوم بعملية التلقيح ـ وكلا الماءين ماء الرجل وماء المرأة دافق ، أي ينصبّ مندفعا ، وهذا هو الحاصل فعلا.
ومن هذا يتبين بوضوح أن الإنسان خلق ونشأ من الماء الدافق (ماء الرجل وأ همّ ما فيه الحيوان المنوي ؛ وماء المرأة وأ همّ ما فيه البويضة) الذي ينصب مندفعا من عضوين هما الخصية والمبيض ، ومنشؤهما وغذاؤهما وأعصابهما كلها بين الصلب والترائب.
وقد ثبت فى علم الأجنة أن البويضة ذات الخلية الواحدة تصير علقة ذات خلايا عدّة ، ثم تصير العلقة مضغة ذات خلايا أكثر عددا ، ثم تصير المضغة جنينا صغيرا وزعت خلاياه إلى طبقات ثلاث يخرج من كل طبقة منها مجموعة من الأنسجة المتشابهة فى أول الأمر ، فإذا تمّ نموها كونت جسم الإنسان.
وإذا هدى الفكر إلى كل هذا فى مبدإ خلق الإنسان ، سهل أن نصدق بما جاء به الشرع وهو البعث فى اليوم الآخر ، لأن خلق الإنسان من أجزاء منتشرة متفرقة فى الكون ؛ فالماء متولد من الأطعمة التي يتناولها الإنسان ، فجمعها الله ، ثم جمع الأبوين ، ثم جمع ماءهما فى مكان واحد ، ثم خلق منه الولد ، وليس فى إعادته مثل ذلك ، فهى أهون ، ومن ثم قال :
(إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) أي إن الذي قدر على خلق الإنسان ابتداء من هذه المادة ـ قادر أن يرده حيّا بعد أن يموت.
ونحو الآية قوله : «قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ» وأصرح منهما قوله : «وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ».