هذا حال هؤلاء الأعاظم ، وأمّا الكليني فقد عرفت حاله ، وأمّا الصدوق فقال في أوّل «الفقيه» ما قال من أنّه ألّفه لمن لا يحضره الفقيه ، ومع ذلك قال : جميع ما أورد منه أحكم بصحّته ، وأجعله حجّة بيني وبين ربّي ، ومن كتب عليها المعوّل وإليها المرجع وغير ذلك (١) ، وجعل هو وغيره جميع الأخبار التي رواها فيه فتواه حجّة عنده لذلك ، وإن روى فيه ما يخالفها ، بل وأفتى بذلك المخالف ، كما فعلوا في ناقضيّة النوم للوضوء ، وكون البناء في الشكّ في الركعات على الأكثر ، وغير ذلك ممّا لا يحصى كثرة ، وذكرنا التأمّل فيه وأظهرنا الوجه.
وأمّا ما رواه من دون إتيان بالمعارض أصلا ، بل وظهر أنّها حجّة ومفتى بها عنده ، كما في المقام ، فلا شكّ ولا شبهة فيه حيث قال : باب افتتاح الصلاة وتحريمها وتحليلها ، قال أمير المؤمنين عليهالسلام : «افتتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم» (٢) ولم يذكر شيئا آخر أصلا.
ومع ذلك قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام ، ولم يقل : روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، وما يؤدّي مؤدّاه حتّى تكون الرواية مرسلة عنده ، وإن كان عاملا بها أيضا ، بل حكم بأنّ ما ذكر قول أمير المؤمنين عليهالسلام ، كما هو الظاهر من كلامه ، ولم يكل إلى الوسائط ، ولم يشر إلى ما يوهم ذلك أصلا.
وممّا ذكر ظهر حال الشيخين ، للقطع بأنّ المقام ليس مقام المحاجّة على العامّة من باب الجدل ، بل ليس ما يوهم إلى احتمال ذلك عينا ولا أثرا بلا شكّ ولا ريبة ، وليس مدّ نظرهما سوى الاعتماد برهانا كالسيّد ، مع أنّه اعترف بأنّ الشيخين كانا قائلين بانحصار التحليل في التسليم.
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣.
(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣ الحديث ٦٨.