الآخر خارج عن قاعدة مراعاة الظنّ واعتباره ، فإذا كان خارجا عنها وبناء على مجرّد التعبّد ، لا جرم يكون ظاهر النصّ والفتاوى شاملا لصورة الوهم أيضا ، ولا دليل على خروجها.
مثلا إذا شكّ الإمام بين الثنتين والأربع ، والمأموم بناؤه على الثلاث لا غير ، والإمام ظانّ بعدم الثلاث ، يكون على الإمام الرجوع إلى المأموم ، وإن كان الثلاث موهوما ومرجوحا ، وهؤلاء حكموا بعدم رجوع الإمام إلى المأموم حينئذ ، ووجوب رجوعه إلى ظنّ نفسه ، والعمل بمقتضى شكّه مع دعواهم خروج رجوع كلّ منهما إلى الآخر عن قاعدة اعتبار الظن ، بناء على أنّ النص والفتاوى مطلقان غير مقيّد واحد منهما بحصول الظنّ أصلا.
فمن أين يظهر التقيد بخصوص عدم الوهم؟ مع كون البناء على مجرّد التعبّد والعمل بإطلاق النص والفتاوى في خصوص الرجوع المذكور.
مع أنّه ربّما كان الإمام شاكا بين الثلاث والأربع مثلا ، والمأموم بناؤه على خصوص الثلاث ، وظهر على الإمام أن مبنى بنائه لا عبرة به أصلا عنده ، وموهوم لا يوجب ظنّا مطلقا ، بل غلط واشتباه ، فحينئذ إلزام رجوع الإمام إلى ما هو مأخوذ من محض الغلط والاشتباه ، فيه ما فيه.
وبالجملة ، في مقام تحصيل البراءة اليقينيّة يحتاط في الاكتفاء بالرجوع في صورة حصول الوهم البتّة ، وفي صورة حصول الشكّ أيضا.
فإن قلت : الظاهر من قوله في مرسلة يونس : «إذا حفظ عليه من خلفه» (١) عدم كون هذا الحفظ موهوما له ، كما أنّه لا يشمل صورة حصول القطع للإمام
__________________
(١) الكافي : ٣ / ٣٥٨ الحديث ٥ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣١ الحديث ١٠٢٨ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٥٤ الحديث ١٨٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤١ الحديث ١٠٥٤٠.