وهل يشمل الجنون الذي سببه فعل المكلّف؟ صرّح الشهيد الثاني بعدمه (١) ، وتردّد فيه في «الذخيرة» (٢) ، وهو فيما إذا لم يكن للمكلّف تقصير فيه بمكانه ، لأنّه من المتبادر من الدليل ، وعدم تعقّل فرق أصلا بينه وبين ما لم يفعله أصلا ، بل الجنون العارضي لعلّه قلّما يكون بغير مدخليّة فعله ، لأنّ مقتضى الطبيعة استواء الخلقة لو خلّيت وطبعها ، فتأمّل!
وأمّا ما كان بتقصير منه ، فإن كان يطلق عليه عرفا أنّه فوّت صلواته ، أو فات منه الصلوات ، فمقتضى العمومات وجوب القضاء.
ومرّ في صدر الكتاب الفرق بين عدم المطلوبيّة كالصلاة قبل دخول وقتها والصلاة من الصغير ، والمطلوبيّة (٣) ، إلّا أنّه لا يمكن تحقّق المطلوب منه كالنوم والسكر ، ويصدق في الثاني فوت المطلوب دون الأوّل ، فيشمل الثاني عموم من فاتته صلاة دون الأوّل ، وذلك ظاهر.
ومقتضى النصوص والفتاوى كون الجنون كالصغر ، لكنّ الجنون الذي عرض المكلّف بعد تكليفه بتقصير منه ، هل هو من قبيل الأوّل مثل الصغر ، أو من قبيل الثاني مثل السكر؟
ولعلّ الراجح في النظر هو الثاني ، لأنّ المكلّف فوّت هذه الفريضة والفضيلة العظمى على نفسه ، وجعلها محرومة منها ، فعليه الجبر والتدارك بعد التمكّن منه ، لعموم من «فاتته» ، ويؤيّده ما سيجيء في الإغماء.
ويدلّ عليه ما سيجيء في المسكر ، فلاحظ.
وكيف كان ؛ لا ريب في كونه أحوط ، بل القضاء بفعله ، وإن لم يكن مقصّرا
__________________
(١) روض الجنان : ٣٥٥.
(٢) ذخيرة المعاد : ٣٨٣.
(٣) راجع! الصفحة : ٧٨ ـ ٨٠ (المجلّد الأوّل) من هذا الكتاب.