ومن لم يعمل بمثل هذا الخبر يكفيه ما ذكرناه من رواية ابن مسلم ورواية عبيد وما هو مثلهما ، إذ فيها ما هو صحيح ، بل الصحيح متعدّد ، بل رواية ابن مسلم ورواية عبيد أيضا كلّ واحد منهما صحيحة ، فالصحاح دليله.
لا يقال : مقتضى الأخبار المذكورة كون الفعل الكثير عمدا ، والسهو إنّما هو في الإتيان بما بقي من الصلاة من ركعة أو ركعتين.
لأنّا نقول : الإتيان بالفعل الكثير سهوا مع العلم بكونه داخل الصلاة والعلم بحرمة الفعل الكثير أنّه مبطل لها ممّا لا يتحقّق عادة ، بل ولا يمكن تحقّقه ، كما لا يخفى على المتأمّل.
فمراد الفقهاء هو ما ذكرناه ، كما فعلوا في الكلام سهوا ، حيث جعلوا التكلّم عمدا حال السهو عن بقيّة الصلاة والظن بإتمامها داخلا في التكلّم في الصلاة سهوا.
والعلّامة في «التذكرة» قال : الفعل الكثير إنّما يبطل مع العمد ، أمّا مع النسيان فلا [خلاف] عند علمائنا ، لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «رفع عن أمّتي» (١) ، الحديث. وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني أنّه مبطل ، لأنّ النسيان بالفعل الكثير قلّما يقع ، ويمكن الاحتراز عنه في العادة.
وينتقض عندهم بقصّة ذي اليدين ، فإنّهم رووا أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم سلّم عن اثنين ثمّ قام إلى خشبة في مقدّم المسجد ، فوضع يديه عليها ، وخرج سرعان القوم من المسجد ، وقالوا : قصرت الصلاة ، ثمّ لمّا عرف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه ساه عاد فبنى على صلاته ، والذين خرجوا من المسجد بنوا على الصلاة ، والرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ما أمرهم بالإعادة ، وهو إلزام لامتناع السهو على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عندنا (٢) ، انتهى.
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٦ الحديث ١٣٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٩٣ الحديث ٩٣٨٠.
(٢) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٩٠ و ٢٩١.