علو شأنه وصون ضياع مماليكه عماله عليهم.
مثلاً من لوازم ولايته تعالى على العباد بذل مالهم ، ووقف أنفسهم عليه تعالى ، وتفديتهم انفسهم واولادهم فلما كان غنياً عن ذلك ، ومنزهاً عما هو من صفات المخلوقين ، وكان عباده لا يظهر صدقهم وحقيقة عبوديتهم إلا بأمثال ذلك من لوازم العبودية ، فنصب الخليفة لمثل هذه اللوازم ؛ لأن ترتبها عليه والعباد ملتزمون بها فقال : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) فالرسول والمؤمنون إنما هم خلفاؤه تعالى في الولاية لا شركاؤه تعالى أن يكون له ولي من الذل عواً كبيراً.
اقول : لقد بين من خلال قوله هذا حقيقة الولاية التكونية بالوجه العقلي ، مع اختصاص الولاية الحقيقية لله تعالى بنحو لا ينقدح في ذهن أحد فيه غلو والشرك.
وقال بعض العارفين (١) : اعلم أنه لما اقتضت الكلمة الالهية الجامعة لجميع الكلمات ، المشتملة على الاسماء الحسنى والصفات العليا بسط مملكة الايجاد والرحمة ، ونشر لواء القدرة والحكمة باظهار المملكات ، وايجاد المكونات ، وخلق الخلائق ، وتسخير الامور وتدبيرها ، وكانت مباشرة هذا الأمر من الذات القديمة الأحدية بغير واسطة بعيدة جداً. والاحسن أن يقال : واقتضت الحكمة الازلية عدم مباشرة الامور بذاته المقدسة ، بل اقتضت الوساطة ؛ كما أُشير إليه في بعض الأخبار ، وذلك لأنّ التعبير المذكور ربما يعطي عدم امكان المباشرة بلا واسطة ، مع أنه لا ريب في امكان ذلك له تعالى بقدرته ، نعم لا بالمباشرة الحسية بل بالقدر والخلق لكل شيء حين لزومه بلا واسطة فتدبر تفهم ، لبعد المناسبة بين عزة القدم وذلة الحدوث (٢).
فقضى سبحانه بتخليف نائب عنه في التصرف والولاية والحفظ والرعاية ، فلا محالة له وجه له إلى القدم يخلف عنه في التصرف ، وخلع عليه خلع جميع أسمائه وصفاته ، ومكنه في مسند الخلافة بالقاء مقادير الامور إليه واحالة الجمهور عليه. فالمقصود من وجود العالم أن يوجد الإنسان ، الذي هو خليفة الله في العالم ، فالغرض من الاركان
__________________
(١) صاحب كتاب هداية المسترشد : ٢٢٦.
(٢) شرح الزيارة الجامعة : ١ / ٣٠٥.